الأطفال يئنّون تحت وطأة الحروب… ومؤشرات “اليونيسف” خطيرة

منى مروان العمري

بين تراكم الأزمات في لبنان منذ العام 2019 والأوضاع الأمنية اليوم التي تشهدها الجبهة الجنوبية، يترتب على ذلك العديد من أوجه الحرمان والخوف جراء تفاقم حدة التوترات ما يؤدي إلى حرمان الأطفال بصورة متزايدة من التعليم أولاً ومن الاستقرار والعيش الآمن ثانياً.

وكشف تقويم سريع أجرته “اليونيسف” في تشرين الثاني الماضي عن تدهور متزايد في معظم جوانب حياة الأطفال، خصوصاً أن الأزمة تستمر في التوسع منذ أربعة أعوام في ظل عدم وجود أيّ انحسار يلوح في الأفق، بالاضافة الى إزدياد الأعباء النفسية، وخصوصاً في جنوب لبنان المتأثر بالحرب القائمة بين إسرائيل وقطاع غزة.

بيجبيدر: الأزمة الرهيبة تدمر أحلام الأطفال

وقال ممثل “اليونيسف” في لبنان إدوارد بيجبيدر: “هذه الأزمة الرهيبة تدمر أحلام آلاف الأطفال وتنتهك طفولتهم وتسلبهم حقهم في التعليم وسعادتهم ومستقبلهم”.

في حين أكّد التقرير أن أكثر من ربع الأسر (أي نسبة 26%) تصر على عدم ذهاب أطفالها الذين هم في عمر الدراسة، الى المدرسة. وهذه النسبة إرتفعت عن آخر تقويم مماثل أجرته “اليونيسف” في نيسان 2023 حيث كانت النسبة 18%. وما زاد الأمر سوءاً، إغلاق عشرات المدارس في جنوب لبنان أبوابها منذ تشرين الأول الماضي بسبب الاعتداءات، ما أثّر على أكثر من 6000 طالب.

ويؤثر الحرمان وعدم اليقين بصورة كبيرة على الصحة النفسية للأطفال، بحيث تفيد 4 من كل 10 أسر تقريباً (38%) بمعاناة أطفالها من القلق، وتتحدّث 24% من الأسر عن معاناة الأطفال من الاكتئاب يومياً. ففي جنوب لبنان، تفيد الاحصاءات بأن 46% من الأسر يشعر أطفالها بالقلق و29% يعانون من الاكتئاب. أما في النبطية، فأبلغ الأهل أن 46% من الأطفال يعانون من القلق و33% من الإكتئاب.

يونس: التعليم أفق نهضة لبنان

أشارت أستاذة علم الاجتماع البروفيسورة ماريز يونس لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “تقرير اليونيسف الذي صدر مؤخراً يوحي بأن هناك مؤشراً خطيراً يهدد أطفالنا ومستقبلهم، وهذا التقرير يكشف أن الأسر اللبنانية الفقيرة لم تعد تتحمل ولم تعد قادرة على تحصيل الحد الأدنى الذي يكفل تعليم أولادها، نظراً الى تكليف التعليم المرتفع”.

وأكدت أن “الأسر اللبنانية التي دفعت أطفالها الى ترك مدارسهم كانت مجبرة على اتخاذ هذا القرار، وهذا مؤشر على معاناة كبيرة تكابدها هذه الأسر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي الضاغط، فهي تئنّ من العوز والحرمان ما جعلها تتخذ قراراً ليس من ثقافتها”، مشددة على أن “الآفاق لنهضة لبنان لا تكون الا من خلال التعليم، وغير ذلك يعرّض لبنان إلى خطر وأزمة حادة ستعكّر مسارات النمو والازدهار، وستشكل خطراً على الفرد والأمن الاجتماعي اللبناني”. 

“أبعدوا أطفالكم عن الشاشات”

أما الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي والعلاج النفسي الدكتورة سلام شمس الدين فأوضحت لموقع “لبنان الكبير” أن “أطفال لبنان يواجهون الكثير من التحديات الاجتماعية والاقتصادية في ظل الظروف الراهنة، منها الفقر وما ينتج عنه من آثار سلبية تؤثر على شخصيتهم وصحتهم الجسدية والعقلية والنفسية، وتؤثر على حاضرهم ومستقبلهم. فالأزمات المتتالية التي عاشها لبنان جعلت الفقر يتفشى في المجتمع، ما جعله يخلق بيئة عدا عن التفاوت الاجتماعي الكبير، الأمر الذي يجعل الأطفال ينظرون الى أقرانهم الذين يعيشون مستويات أفضل منهم بنظره حسرة، ويترك في داخلهم عقد النقص التي تمتد آثارها الى المستقبل”.

واعتبرت أن “الاحداث الامنية الحالية في غزة وجنوب لبنان ستترك آثاراً وخيمة في نفوس الأبناء، بسبب عدم الاستقرار وانعدام الأمن، الأمر الذي يخلق مشاعر سلبية كثيرة كالشعور الدائم بالتوتر والقلق والإحباط، إضافة الى الصراعات على المستوى النفسي والعاطفي”، داعية الأهل الى “أن يطمئنوا أطفالهم دائماً بأنهم الى جانبهم وأن يشاركوهم الكثير من الأنشطة المحببة لديهم، ومن الضروري أن يجيبوا عن أسئلتهم بوضوح وشفافية بحسب أعمارهم، ويحافظوا قدر المستطاع على روتين حياتهم ويجعلوهم يعبّروا عن مشاعرهم والأفكار داخلهم، ويحيطوهم بالكثير من العناية والأمن والأمان، ومن الضروري أن يبعدوا أطفالهم عن وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كي لا يتعرضوا لمشاهد العنف والدماء والقتل التي تمارسها اسرائيل بحق الأطفال من أعمارهم”.

“الأطفال ضحية الضائقة الاقتصادية”

وذكرت المعالجة النفسية نورما بيطار الحلو بأن “تاريخ لبنان يضج بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والافتقار الى الأمن والاستقرار جراء الحروب الكثيرة، الأمر الذي ترك بصمات داكنة لدى الاطفال، في الوقت الذي أقصى ما يحتاجه الطفل هو الحاجة إلى الرعاية النفسية والاجتماعية والمادية وأشدد على هذه النقاط من دون اختزال واحدة منها. فقد شاهدنا مؤخراً تأثير الضائقة الاقتصادية على الاطفال باعتبارهم أكثر الفئات العمرية تأثراً بالمستجدات، وهذا الأمر انعكس على مستواهم وتحصيلهم العلمي والدراسي، وهم ضحية الضائقة المادية في لبنان”.

أضافت: “الحرب الدائرة اليوم في غزة وجنوب لبنان، تؤثر على الأطفال بصورة رهيبة، فلن نكون مختلفين على فكرة أن الاطفال سيعيشون نتائج هذه الحرب بطريقة مرضيّة، وهذا الأمر بات يظهر بأسلوب واضح وعلني في عياداتنا وخصوصاً نسبة الأطفال الذين يعانون من الصعوبات التعليمية في المدارس، واضطراب القلق من دون مبررات مباشرة، والحركات اللاشعورية، وانتشار ظاهرة العدوانية بين الأطفال، والاكتئاب وعدم القدرة على احتواء الآخر، وغيرها من الاضطرابات والأمراض على الصعيد النفسي والسلوكي. وهذا يعدّ نتيجة من نتائج مشاهد العنف والقتل والدمار التي يتعرضون لها عبر الشاشات أو حتى على أرض الواقع، عدا عن موضوع الحرمان وعدم الأمان والطمأنينة على كل الأصعدة، فبات الطفل هو من يدفع ثمن الحروب والأزمات والفقر والحرمان”.

شارك المقال