الدراجة النارية… غياب القيادة الآمنة يرفع أعداد الضحايا

عمر عبدالباقي

تعد الدراجات النارية في لبنان واحدة من الوسائل الأساسية التي أصبحت لا غنى عنها في حياة اللبنانيين. فهي تُعَدُّ وسيلة سريعة ومريحة للتنقل في شوارع المدن المزدحمة، وتتجاوز الزحام المروري الذي يُعتبر من التحديات اليومية التي تواجهها المركبات الأخرى. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، شهدت الدراجات النارية زيادة كبيرة في أعدادها، بحيث أصبحت خياراً مالياً مناسباً للكثيرين في ظل ارتفاع تكاليف الوقود وصيانة السيارات. إنها نعمة تجلب الحرية والمرونة في التنقل، ولكن في الوقت نفسه، تُطرح التحديات والسلبيات الكبيرة المصاحبة لهذه الظاهرة المتزايدة في البلاد، أي قد تكون نقمة في الوقت نفسه.

قديماً، كانت الدراجات النارية ترتبط في العقول الجماعية بفئة محددة من الأشخاص، بحيث أن من يقودها في العادة يكون شاباً صغيراً في السن، متهوراً، وربما لديه سمعة سيئة، هكذا كانت النظرة العامة التي تؤثر على المعتقدات والتصورات حول هذه الوسيلة من وسائل التنقل. الا أن هذا الاعتقاد بدأ يتغير بصورة كبيرة في العقود الأخيرة حين أصبح استخدام الدراجات النارية أكثر انتشاراً، ولم يعد مقتصراً على الشباب وحسب، بل امتد إلى فئات عمرية متنوعة استغنت عن استخدام السيارة، ورأت في الدراجة وسيلة فاعلة ومريحة للتنقل في ظل الازدحام وارتفاع أسعار الوقود.

استقلالية وخيار اقتصادي للجنس اللطيف

شهد لبنان تحولاً ملحوظاً في ثقافة استخدام الدراجات النارية، بحيث بدأت النساء يتولين قيادة هذه الوسيلة الشيقة، ومع تزايد عددهن أصبحت هذه الظاهرة جزءاً من المشهد الحضاري في البلاد، ففي السابق، كان استخدام النساء الدراجة النارية يعتبر أمراً غير اعتيادي ومعيباً في المجتمع، الا أنها مع الوقت باتت تسعى الى استكشاف هذه الهواية وتحقيق استقلاليتها في الحركة والتنقل.

عندما قررت سارة ( 27 عاماً) البدء بقيادة الدراجة النارية، واجهت بعض المقاومة من شقيقها الأكبر وحتى والدتها. ومع ذلك، رفضت الاستجابة لهذه المعارضة وأصرت على أنها لا تختلف عن الجميع في هذا الشأن.

وأشارت سارة لموقع “لبنان الكبير” إلى أن قيادة الدراجة النارية تعتبر خياراً اقتصادياً أكثر من قيادة السيارة، وتوفر أيضاً حلاً لمشكلة ازدحام الطرق، وهي لا تختلف بشيء عن الرجل و”الموضوع كتير عادي”.

تلعب النساء القائدات للدراجات النارية دوراً مهماً في تغيير المفاهيم التقليدية والتحديات الاجتماعية المرتبطة بالمرأة وقدراتها. وتعد قيادة الدراجة فرصة للنساء للتعبير عن شخصياتهن وتحقيق تحدياتهن الشخصية، كما تمثل نموذجاً إيجابياً للشابات اللواتي يسعين الى ممارسة هذه الهواية وتحقيق طموحاتهن.

عدم الالتزام بتدابير السلامة والحماية

يشهد عالم الدراجات النارية ظاهرة غير مسؤولة تتمثل في عدم الالتزام بتدابير السلامة والحماية. فعلى الرغم من الوعي المتزايد بأهمية اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب الحوادث، إلا أن هناك عدداً لا يستهان به من راكبي الدراجات النارية الذين يتجاهلون هذه القواعد الأساسية.

من بين هذه التصرفات غير المسؤولة، يأتي تجاهل ارتداء الخوذة كمثال بارز، مع أنها أحد العوامل الحاسمة في الحد من خطر الاصابات الجسدية والدماغية في حالة وقوع حادث. ومع ذلك، يقوم العديد من راكبي الدراجات النارية بتجاهل الاجراءات الواجب اتخاذها، معرضين أنفسهم بذلك للخطر الجسيم.

بالاضافة ظاهرة مقلقة أخرى وهي ركوب العائلة بأكملها على الدراجة النارية، وكثيراً ما يطالعنا مشهد الأب وهو يقود دراجته ووراءه الأم والأطفال الصغار يتوزعون بينهما، وهذا يعتبر تصرفاً خطيراً وغير مسؤول. فالدراجات النارية ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي وسيلة للنقل تتطلب مهارة وتركيزاً كبيراً، وبالتالي، يتعرض الأطفال الصغار على هذه الدراجات لخطر الاصابات والحوادث، وقد تكون هذه مسؤولية السائق، لكن ماذا عن مسؤولية الدولة تجاه تطبيق قوانينها أي قانون السير المتعلق بهذا الأمر؟

عقل: لا تطبيق للقوانين المرورية

مؤسس جمعية “اليازا” التي تعنى بالسياسة المرورية زياد عقل أشار لموقع “لبنان الكبير” الى أن “لبنان يعاني منذ فترة طويلة، من عدم تطبيق قانون السير بصورة فاعلة، سواء على المواطنين اللبنانيين أو الأجانب. وعلى الرغم من وجود هيئات تنظيمية مثل شرطة البلدية، شرطة اتحاد البلديات، وقوى الأمن الداخلي، إلا أن تطبيق القوانين المرورية على الطرق الرئيسة لا يحصل صورة كافية. ومؤخراً، شهدنا زيادة كبيرة في ظاهرة المخالفات المرتبطة بالدراجات النارية في لبنان. وتشمل هذه الظاهرة ظاهرة التوكتوك وارتفاع عدد الدراجات النارية العادية التي تنتهك القوانين المرورية”.

أما عن أرقام ضحايا حوادث سير الدراجات النارية لهذا العام، فلفت عقل الى “تسجيل وفاة 370 شخصاً حتى تاريخ اليوم في هذا العام جراء حوادث السير عموماً. ومع ذلك، لا تتوافر بيانات محددة بخصوص عدد الوفيات المتعلقة بحوادث الدراجات النارية خصوصاً، وهذا الرقم سنقوم بدراسته في نهاية هذا العام”.

وعن آخر أعمال الجمعية للمساعدة على الحد من هذه المشكلة الاجتماعية، أكد عقل “العمل بالفعل على تنفيذ حملات توعوية شاملة لزيادة الوعي بأهمية ارتداء الخوذة الواقية والالتزام بقوانين السير عند قيادة الدراجات النارية، بما في ذلك دراجات التوكتوك. ومع ذلك، ندرك أن التوعية وحملات الاعلام وحدها ليست كافية لحل المشكلة، سواء في لبنان أو في جميع أنحاء العالم. لذلك، قمنا بتوزيع كميات من الخوذ الواقية على الجهات الرسمية والخاصة بهدف تشجيعها على الالتزام بقوانين السير المتعلقة بقيادة الدراجات النارية. وتشمل هذه القوانين عدم القيادة عكس اتجاه السير، وعدم تجاوز إشارات المرور الضوئية، والالتزام بصيانة الدراجة النارية، وامتلاك الأوراق القانونية اللازمة”.

وأوضح خبير الحوادث المرورية باسم أمين المصري لـ “لبنان الكبير” أن “سائق الدراجة عليه المسؤولية مثله مثل سائق السيارة ولكن قوانين الدراجات لا أحد يطبقها،لأن قانون الدراجة يفرض على سائقها أن يقود في الاتجاه اليساري للسيارة وليس الى يمينها، فهو من يعرض نفسه للحادث ولكن طبعاً قد تصبح هناك أخطاء من سائق السيارة، ولكن المشكلة الكبرى أنه لا يتم تطبيق قانون الدراجات”.

يسرقها ويسرق من خلالها

تعتبر سرقة الدراجات النارية ظاهرة واسعة الانتشار في لبنان، بحيث تسجل أعداد كبيرة من حوادث السرقة المتعلقة بها، ويعود ذلك إلى سهولة سرقتها مقارنة بالسيارات، ما يجعلها هدفاً مغرياً للسارقين. وتشهد جميع المناطق في لبنان حالات سرقة الدراجات النارية، وخصوصاً بعد تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد. وتتحمل الجهات الأمنية مسؤولية كبيرة في مواجهة هذه المشكلة، اذ يجب أن تعزز إجراءات الأمن والرقابة للحد من حوادث سرقة الدراجات النارية، وتكثيف التواجد الأمني في المناطق المعرضة لارتكاب هذه الجرائم وتأليف فرق خاصة لمكافحة سرقة الدراجات النارية.

من جانب آخر، أصبحت الدراجة النارية وسيلة تمكن اللصوص من تنفيذ جرائمهم بصورة أكثر كفاءة. فبواسطة الدراجة، يستطيع المجرم التحرك بسرعة ومرونة والفرار بسهولة. وقد سجل العديد من التقارير والشكاوى حول قيام أشخاص يستقلون دراجات نارية بسرقة النساء.

شارك المقال