المنخفضات الجوّية تُلقي بثقلها على 6 قرى في الضنّية!

إسراء ديب
إسراء ديب

أرخت الأحوال الجوّية وما رافقها من منخفضات وأمطار غزيرة بثقلها على أهالي الضنية الذين يُواجهون “عزلة” مصيرية وضغطاً كبيراً بعد انهيار الجزء الأخير من جدار الدّعم المحاذي للطريق الرئيسي في بلدة السفيرة- الضنية، أيّ الطريق الحيويّ الذي أُقفل مع الانهيار الذي حدث على مراحل مختلفة سريعاً ليُؤدّي بسقوطه إلى عزل ست قرى واعتماد الأهالي على الطرق الفرعية والضيّقة أيّ الطرق “الالتفافية” أثناء الانتقال الحتميّ ضمن السفيرة والقرى المجاورة.

معاناة الأهالي

ويشتكي قاطنو هذه القرى من الطرق البديلة التي يضطرون إلى اجتيازها يومياً، بحيث يُؤكّد أحدهم لـ “لبنان الكبير” أنّ سيّارته كانت اصطدمت بجدار مبنى ضمن هذه الطرق الضيقّة، مشيراً الى أنّ “السيارات الصغيرة فقط يُمكنها تجاوز هذه الطريق الصعبة، ولا يُمكن لأيّ سائق اجتيازها إلّا في حال تمتّعه بخبرة كافية في مجال قيادة السيّارات”.

مصدر من البلدة، يلفت إلى أنّ هذه الطريق الضيّقة يُمكن ألّا يعرفها ابن السفيرة نفسه الذي يستصعب اجتيازها على قدر صعوبتها، مؤكّداً عدم وجود شرطيّ للبلدية ليُدلّ المواطنين على الطرق التي تختلف “بين الطلوع والنزول”، لذلك وضعت إشارات مضيئة على الطرق وتمّ توظيف أحد الأشخاص ليُساعد النّاس ويدلّهم.

في الواقع، لم يستغرب أهالي الضنية والقرى الست وهي: السفيرة، بيت حاويك، دبعل، كفربنين، حوّارة وجيْرون، من عملية الانهيار التي أصابت جداراً حجرياً يزيد عمره عن 80 عاماً، إذْ كان يتوقّع الجميع حصول هذه الكارثة الناتجة عن هطول الأمطار الغزيرة على الطريق التي واجهت ضغطاً كبيراً لأعوام من جهة، كما أنّ عملية الانهيار لم تأتِ دفعة واحدة، بل جاءت على مراحل متوقّعة من جهة ثانية: أوّلها في 12 كانون الثاني (بصورة بسيطة)، ثانيها في 5 شباط (هبوط جزء كبير) وآخرها يوم 15 شباط حين انهار الجدار بصورة شاملة بعد إخلاء المباني المحاذية والمجاورة (4 مبان) ومنها مدرسة السفيرة الرسمية التي نُقل تلاميذها الـ 500 إلى مبنى ثانوية السفيرة الرسمية بعد توصيات تربوية وبلدية لحمايتهم، فيما اتجّه المواطنون إلى منازل أقربائهم بعد غياب بدل الايواء عنهم (والذي كان يُمكن أنْ يقيهم من البقاء في الشارع أو الشعور بالذلّ)، وذلك لأنّ الهيئة العليا للاغاثة لم تُقدّم البدل حتّى اللحظة نظراً الى الأزمات المالية التي فرضتها أيضاً حرب الجنوب، مع العلم أنّها كانت تواصلت مع البلدية وطلبت كشف أسماء القاطنين في المباني عند وقوع الكارثة.

ولم يستسلم الأهالي مباشرة لهذه الأزمة التي عجزوا عن التأقلم معها، (مع إدراكهم التام أن لا بديل عن الطريق الرئيسة)، لذلك اتجه الكثير منهم إلى بلدة بيت الفقس التي منعوا من اجتيازها بسياراتهم وشاحناتهم، لأنّ الطريق فرعية وتُعدّ زراعية ولا يُمكنها تحمّل هذا الثقل الكبير، ليتوجهوا بعدها إلى طريق بيت حاويك ضمن بطرماز ومنعوا من اجتيازها أيضاً، ولهذه الأسباب، عمدوا إلى شق طريق جيْرون بغية إيجاد حلّ مؤقت، لكنّهم منعوا من أهالي عكّار، وذلك وفق ما يقول رئيس بلدية السفيرة علي خضر حسون في حديثٍ لـ “لبنان الكبير”.

سبب الانهيار والنتيجة

وبعد حديث البعض عن عمليات حفر حصلت منذ سنوات بمحاذاة الجدار انعكست على متانته وأدّت إلى الانهيار، ينفي رئيس البلدية هذه الفرضية، خصوصاً وأنّ أعمال الحفر كانت حدثت في عهد الرؤساء السابقين (وفق بيان صدر عن البلدية منذ أيّام)، مؤكّداً أنّ “الأمطار الغزيرة كانت السبب الرئيسي في الانهيار الذي طال الجدار الذي أسس من حجر مع ردميات خلفه، وكانت تضغط عليه الشاحنات والكميونات الثقيلة بغياب الأنظمة الصارمة التي تضع حدّاً للحمولة، الأمر الذي أدّى إلى حصول انشقاقات في الزفت لتصل المياه إليه والى أسفل الجدار لتُؤدّي فيما بعد إلى الانهيار”.

ولم يكن الانهيار الأخير هو الأوّل من نوعه، إذْ واجه الجدار انهيارات عدّة كانت تُصيبه في الأعوام السابقة لكنّ التدخلات القديمة (السياسية منها والبلدية) لم تحلّ الأزمة من جذورها، على خلاف الحلّ الذي وعدت بتنفيذه وزارة الأشغال العامّة والنقل عبر تكلفتها شركة “رفيق خوري الاستشارية” إجراء دراسة خاصّة، لذلك زارت الشركة هذه البلدة مرتيْن لرصد الخسارة التي أصابت جداراً يصل ارتفاعه إلى 13 متراً تحديداً (من دون القاعدة) ويبلغ طوله 40 متراً.

ومع قرب انتهاء إعداد الدّراسة لارسالها إلى وزارة الأشغال (التي تحرّكت عقب زيارة “إيجابية” لرئيس البلدية والنائب جهاد الصمد إليها قبل الانهيار الأخير)، وعودة الوزير علي حمية من جنيف لموافقته على الدراسة (أم لا)، سيُعطي الأخير موافقة للمتعهّد على المشروع للمباشرة بالعمل ابتداءً من الأسبوع المقبل لاعادة تأهيل هذا الجدار (في وقتٍ لا يُمكن التنبّؤ فيه بمدّة تنفيذه التي قد تتأثر في حال الطقس) والذي عجزت البلدية بموازنتها “الصفر” عن القيام بأيّ خطوة للحدّ من انهياره، لكنّها حاولت إنذار المواطنين مرّتين (أول إنذار منذ كانون الثاني) لاخراجهم من المباني التي تُواجه تهديداً مباشراً، ونجحت في إقناعهم أخيراً بالخروج قبيل الانهيار الشامل، في وقتٍ كان يرفض فيه أحد المواطنين ذلك عند إنذاره أوّل مرّة، لكن تمّ إقناعهم جميعاً نظراً الى خطورة الوضع.

إلى ذلك، لم تنعكس الأحوال الجوية على الجدار فحسب، بل أدّت أيضاً إلى انهيار عمود الكهرباء بالتزامن مع سقوط الجدار، لكنّ رئيس البلدية كان قد استبق الأمور ونقل الشبكة قبيل عملية السقوط ووضعها عند المباني المجاورة، كما انقطع الانترنت لساعات، لكنّ شركة “أوجيرو” قامت بإصلاح الأعطال مباشرة. أمّا في ما يتعلّق بالمياه، فيُمكن التشديد على وجود مشكلة كبيرة يُواجهها أبناء السفيرة وجوارها، وذلك بسبب انقطاع الخطّ الذي يسير ضمن الشارع عينه بعد عملية الانهيار، ما حرم البلدة من المياه نظراً الى غياب مياه الشفة أساساً عنها منذ أعوام واعتمادها على تعبئة الغالونات من الينابيع السطحية، مع العلم أنّ البلدية أجرت منذ العام 2021، عملية حجز اعتماد من مؤسسة مياه لبنان لبئر مياه فيها، لكن بعد فقدان الأوراق الرسمية، أبرمت حجزاً جديداً عام 2023 ولم تصل إلى النتيجة المرجوّة، خصوصاً وأنّها لا تملك محطّة لضخّ المياه لديها، سواء أكانت كهربائية أو عبر الطاقة الشمسية، ما يجعلها عاجزة عن إيصال المياه إلى أبنائها بالصورة المطلوبة.

شارك المقال