ظاهرة التسوّل تخرج عن السيطرة في “بيروت الحضارة”

ياسمين شعبان

منذ ساعات الصباح الأولى حتى المساء يقف أحمد البالغ من العمر 7 سنوات وبيده ورد على كورنيش الروشة، يركض بجسده الصغير الهزيل خلف المارّة محاولاً استعطافهم لشراء وردة. “أمي مريضة وأبي مسجون في سوريا وأنا من يؤمن مصاريف أمي واخوتي الصغار ولا أعود الى المنزل حتى أبيع كل الورد” هذا ما يردده أحمد باستمرار. البعض ينظر اليه بعين العطف وآخرون يتجاهلونه ويكتفون بعبارة “الله يرزقك”.

‎على مدى سنوات طويلة فشلت الجهات الأمنية المعنية والسلطات المحلية في بيروت في السيطرة على ظاهرة التسوّل حتى تفاقمت مع تصاعد الأزمة الاقتصادية وازدياد الانهيارات في مختلف أركان الدولة وباتت شوارع بيروت ومعالمها الحيوية تعج بالمتسولين من مختلف الأعمار، نساء ورجالاً، يعتمدون أساليب مختلفة للتسول مثل بيع الورد والمناديل الورقية أو التسول المباشر.

‎الحمراء والروشة مرتع للتسوّل

‎لطالما عرفت منطقة الروشة بجمالها ورقيها اذ تضم أرقى المطاعم والمقاهي التي تطل على أيقونة بحر بيروت “صخرة الروشة” ويرتادها الناس من كل المناطق والدول للاستمتاع بجمالها، ولكنها تحولت اليوم الى بؤرة تكتظ بالمتسولين. يتحدث أحد موظفي مطعم شهير عن المعاناة اليومية لهم في التعامل مع المتسولين، خصوصاً الأطفال الذين لا يكتفون بمضايقة المارّة والزبائن خارج المطعم، بل باتوا “يتسحّبون خلسة ويزعجون الزبائن خلال وجودهم داخل المطعم الأمر الذي يضعنا في موقف محرج أمام الزبون”.

‎أما شارع الحمراء، فعلى لسان أحد أبناء المنطقة الذي يمتلك محلاً هناك، أصبح الشارع الذي ولد فيه وكان لؤلؤة المدينة مرتعاً للمتسولين ويفتقر الى أدنى معايير الرقي “الشحادين متل النمل هون لا كهربا ولا ضو والزبالة بكل مطرح” حتى تحوّل من أهم شارع في المدينة الى أسوأها، مشيراً الى أن الناس باتت تكره المرور والمشي في الشارع بسبب مضايقات المتسولين، “بيركضوا ورا الناس وبيكمشوهن من تيابن من أول الشارع لآخره صار الواحد يخاف ينسرق هون”.

‎وقال أحد المارّة من الجنسية المصرية غداة وصوله الى بيروت في زيارة عمل انه صرف ما يقارب 5 ملايين ليرة على المتسولين “قاعدين يسببوا احراج”. وأكد ضرورة بذل الجهود للحد من هذه الظاهرة والحفاظ على الصورة الحضارية للمنطقة.

‎قوى الأمن: الظاهرة اجتماعية

‎مصدر أمني أكد أن التسول أزمة اجتماعية موجودة من قبل وتفاقمت مع النزوح السوري والانهيار الاقتصادي، وحلّه يحتاج الى نظرة اجتماعية لا رؤية أمنية لأنهم أشخاص دفعتهم الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة أو حتى البيئة التي تربوا فيها والأشخاص المحيطون بهم الى سلوك هذا المسار. وقال: “تم توقيف الكثيرين لأكثر من مرة من دون فائدة لأن غالبيتهم من الأطفال. نحن بحاجة الى مراكز ايواء وتأهيل تهتم بهؤلاء الأطفال وتمنحهم حقوقهم وفي مطلعها حق التعلم وتخرجهم من هذا المستنقع”.

‎وأضاف: “قمنا بالتحقيق مع الكثير من هؤلاء للحصول على معلومات بخصوص رؤوس الشبكات المنظمة للعديد منهم من دون الوصول الى حل لأن هذا جزء من المشكلة”.

‎الأشقر: الأزمة اجتماعية – أمنيّة

‎أوضحت دكتورة علم الاجتماع في جامعة بيروت العربية ضحى الأشقر أنّ الانهيار الاقتصادي ساهم في ازدياد نسبة الفقر وبالتالي زيادة التسول لأن الناس باتت غير قادرة على تأمين احتياجاتها الرئيسية، بالاضافة إلى أزمة النزوح السوري التي يعاني منها البلد.

‎”هناك أشخاص يشغّلون أفراداً وأطفالاً ينتمون الى عائلات تعاني من الفقر والجهل وانعدام الوعي والتعليم للعمل كمتسولين ثم يعيدونهم إلى بيوتهم بعد جمع المبلغ المطلوب يومياً وقد يكون الأشخاص هم الأهل أنفسهم”، بحسب الأشقر التي قالت: “انّ الأزمة اجتماعية-أمنيّة، بحيث يتوجب على الدولة تشكيل فرقة أو جهاز لمتابعة العصابات ومنع وصولهم الى بعض النقاط الحيوية في المدينة”.

‎ورأت أن على الرغم من تبعات الأزمة الاقتصادية على مفاصل الدولة والأمن، يبقى التدخل الأمني بأهميّة عمل وزارة الشؤون الاجتماعية ومتابعتها لهذا الملف، أي بمعنى آخر كلاهما يكملان بعضهما البعض في العمل على الحد من الانتشار الجنوني لهذه الظاهرة، لأن أسباب التسول وجماعاته متنوعة وليست كلها ناتجة عن الفقر والضيقة الاقتصادية فقط.

شارك المقال