فرحة الطرابلسيين برمضان مختلفة هذا العام: كأنّها بهجة “العيد”!

إسراء ديب
إسراء ديب

تسابق أهالي مدينة طرابلس في الأيّام الأخيرة على كيفية إظهار بهجتهم وسرورهم بحلول شهر رمضان المبارك الذي احتفلوا باستقباله بطريقة مختلفة هذا العام، إذْ لا تُشبه الأجواء الرمضانية التي شهدتها المدينة منذ ساعات، غيرها من الأجواء التي واكبتها في الأعوام الماضية، بحيث بدا المشهد مميّزاً، مختلفاً وبعيداً عن أيّة توقّعات، وذلك قبل إعلان رؤية هلال شهر ‎رمضان في مرصد ‎جامعة المجمعة الفلكيّ بحوطة سْدير السعودية، ولحظة الاعلان مع ثبوت رؤية الهلال أيضاً في أقطار عربية وإسلامية عدّة، منها لبنان، وفق بيان دار الفتوى.

ويصف طرابلسيّون تواصل “لبنان الكبير” مع عددٍ منهم في الأسواق، هذه اللحظات التي عاشوها عند استقبال “الضيْف” الكريم بأنّها سارّة للغاية، تُشبه إلى حدّ كبير “وقفة العيد” ببهجتها التي لا تُضاهيها فرحة أخرى. وفي الوقت عينه، لا يغفل أيّ طرابلسيّ أنّه يرزح فعلياً تحت وطأة أزمات معيشية واستغلال تجاريّ واضح هذا العام، يُمكن رصده من خلال الاطّلاع على الأسعار الجنونية للبضائع من جهة، كما أنّه لا يُخفي شعوره بالتضامن مع أهالي غزّة الذين ما زالوا يُواجهون حرباً دموية لم تنجح دولة في العالم (حتّى اللحظة) في التوصّل الى هدنة تُريح قلوب الصائمين في فلسطين وخارجها، من جهة ثانية.

الحماسة التي تعيشها طرابلس بحلول رمضان، تُرجم وجودها من خلال الزينة والمبادرات الموجودة ميدانياً، وغيرها من الأساليب التي أعطت لهذا الشهر قيمة عظيمة لم تكن واضحة في الأعوام الماضية، إلّا بالتزام أبناء المدينة بشعارات وطقوس دينية ينفردون ويتمسّكون بها، وذلك على الرّغم من الظروف القاهرة ولا سيما مادياً. أمّا هذا العام، فتطغى حال من التفاؤل و”الانتظار” لأيّ فرصة يُمكن أنْ تُسهم في تبديل المزاج الشعبي الذي ذاق المرار الطافح على الأصعدة كافة، وهو ما يُوضح إصرار الطرابلسيين على التمسّك بالطقوس وبكلّ لحظة فرحة يُمكن استغلالها بجدّية وأمل.

وواجهت المدينة في الأسبوع الأخير قبل حلول رمضان، زحمة سير خانقة تكاد تكون غير معتادة، خصوصاً في أسواقها التجارية القديمة منها والحديثة، وذلك بغية شراء الناس حاجيات رمضان الرئيسة من طعام وتجهيزات كما من زينة ملأت الشرفات وداخل المنازل. واشتدّت الزحمة بصورة كبيرة في ليلة هذا الشهر الفضيل الذي يبدو أنّه سيشهد إقبالاً واضحاً فيه على الأسواق والتفاصيل الاستهلاكية، وذلك وفق ما يُؤكّد بعض التجار لـ “لبنان الكبير” الذين يشعرون بحركة شعبية غير مسبوقة في الأسواق.

وعن الزينة، فوجئ الكثير من الطرابلسيين بحجمها وكمّيتها التي وضعت ووزعت على الطرق، إذْ لم يُترك شارع إلّا ووضعت فيه الفوانيس المنيرة أم غير المنيرة (في الشوارع والمحال إمّا بصيغة شخصية أو عبر جمعيات ومبادرين)، أو على وضع الانارة الملوّنة التي تُضفي جمالاً و”مشهدية” رائعة بنفحة روحانية تُشبه المدينة التي باتت فعلياً عاصمة لشهر الصيام، وفق ما يُطلق عليها البعض الذي يتعلّق بتفاصيلها خصوصاً في هذه الفترة، مع بثّ بعض الأحياء الأناشيد الدينية، مع العلم أنّ البعض الآخر منها كان بثّ أناشيد وطنية مرتبطة بالقضية الفلسطينية، كما “غزت” المناطيد سماء المدينة، وأفرحت قلوب الأطفال والحضور الذي أطلقها من معرض رشيد كرامي الدّولي للعام الثاني على التوالي، بتنظيم من جمعية كشافة الجراح- مفوضية الشمال، وغيرها من الطرق التي لا تخلو من المفرقعات النارية قطعاً.

وتقول إحدى السيدات في سوق القمح حيث كانت تشتري زينة رمضانية من محلّ معروف: “الزينة تُعدّ فرصة لتعظيم شعائر الله، وقد يكون ثمنها مرتفعاً حالياً، لكن يُمكننا تحديد عدد الفوانيس والاضاءة بصورة مناسبة، وقد اشتريت بمليونين و200 ألف تقريباً عدداً من الفوانيس مع لوحة يُمكنني وضعها في غرفة الاستقبال”، مضيفة: “أنا موظفة في إحدى الدوائر الخاصّة، وأحظى بمساعدة من شقيقتي في أستراليا شهرياً، وهذا ما يُساعدني ولو بنسبة قليلة”.

الأسعار والرقابة

لا تقتصر عملية استقبال الشهر الكريم على الزينة وشراء الفوانيس المتنوّعة أو اللوحات الدينية والكرتونية المرتبطة برمضان فحسب، بل يعمد الكثير من الطرابلسيين إلى شراء أبرز المواد الأوّلية التي يُمكن استخدامها لشهر كامل كمونة رمضانية، لا سيما تلك المرتبطة بالشوربة، الفتّة والفتوش، ولهذه الغاية عمد أبو عامر من التبانة إلى شراء هذه الاحتياجات وتأمينها لمنزله عبر 3 حزمات (الأولى بـ 3 ملايين، الثانية بـ 5 ملايين، وآخرها بـ 8 ملايين ليرة)، واصفًا لـ “لبنان الكبير” الأسعار بـ “الجنونية” بسبب جشع التجار لا بسبب الدولار أو الطلب كما يُشاع.

أبو عامر، يعمل في بيع المشروبات الباردة منذ أعوام، ما يعني أنّ ما يتقاضاه لا يكفيه وعائلته أبداً، ويقول: “لولا مساعدة ابنتي في الكويت وابني في أستراليا لعجزت عن تأمين هذه الاحتياجات”.

وفق المعطيات، فإنّ الاقبال هذا العام، يعود الى سبيْن اعتياديين: الأوّل، أموال المغتربين، والثاني دعم الجمعيات الخيرية لا سيما الأسترالية وغيرها، لكنّ بعض التجار يكشف أنّ الإقبال الرئيسي يأتي بسبب النازحين السوريين الذين دفعوا إلى حدوث هذه الزحمة المفرحة، “الأمر الذي يرفع الأسعار تلقائياً مع رفع الطلب”، حسب المعطيات.

وفي جولة لـ “لبنان الكبير” في الأسواق، يُمكن ذكر أسعار أبرز البضائع التي يتهافت عليها النّاس، ومنها: باقة البقدونس 35 ألف ليرة، النعناع 35، الفجل 35، البقلة 50، الروكا 25، الخسة 100، كيلو الخيار 100، كيلو البندورة من 70 إلى 100 ألف حسب نوعها، الجرجير 40، باقة الزعتر 50 (وقد يُضاعف التاجر سعرها)، كيلو الحمص 180 أو 140، كيلو اللبن 110 آلاف، اللبن البودرة 60، كيلو اللوبية الأميركية بـ 400، الباذنجان 80، الملفوفة بين 30 و40، كيلو البرغل 100، العدس 140 وبات بـ 160، وكيلو دبس الرّمان 900 ألف.

عن “الحواضر”، مرتديلا بين 400 و450، الجبنة حسب نوعها، الحلوم 600 باب أوّل، أمّا المغشوشة فـ 400، اللبنة الوسط 140، النظيفة منها بـ 400، البلدية المغشوشة 140، كيلو المربّى 450، كيلو الزعتر البلدي 900 أو مليون، الزعتر الحلبي أو البلدي المغشوش 350، حلاوة باب أوّل 400، كيلو الشنكليش 400، والأصلية 900.

عن بعض المشروبات والحلويات، ليتر عرقسوس، التوت، والخرّوب (حتّى اللحظة) بـ 100 ألف، ليتران الجلّاب 400، فيما تختلف الحلويات من مكان إلى آخر، ويُعدّ الكربوج والقطايف أهمّها، ويُمكن بيع الكيلو بـ 400 ألف.

أمّا عن اللحوم، فكيلو اللحمة البقر 900 ألف، المجلّد بين 400 و600 حسب نوعها، كيلو الغنم بـ مليون و700 ألف، الوقية منه بـ 200، الدّجاج سفاين 600 بعدما كانت بـ 450، الجوانح بـ 260، ولا ننسى “الغش” الذي يقوم به بعض التجار ويتمثّل في تعبئة الدجاج “بالمياه”، وفق ما يُؤكّد بعض المتابعين.

إلى ذلك، يُؤكّد أحد المتابعين أنّ حملات تفتيشية نُفذت لمراقبي مصلحة الاقتصاد شمالاً لمراقبة أسعار الفواكه والخضار منذ أيّام، فيما نفى أصحاب المحال هذا الخبر، مؤكّدين عدم وجود رقابة أساساً، بل هناك عملية “تطنيش” فقط.

شارك المقال