تساؤلات حول حقيقة “احتجاز” جثة رضيع بمستشفى الحبتور في عكّار

إسراء ديب
إسراء ديب

أثارت واقعة وفاة الطفل محمّد بشر العبد الله في مستشفى الحبتور – حرار العكارية، جدلاً كبيراً في الشارع الشمالي الذي تفاعل بشدّة مع قضية أثارها والد الطفل شخصياً (صباح الثلاثاء)، من خلال بيانٍ نشره هزّ مواقع التواصل الاجتماعي، وتحدّث فيه عن “حجز” المستشفى جثة طفله و”منع” تسليمه لذويه، إلّا بعد تسديد المبلغ الماليّ كاملاً، وذلك عقب وضعه في الحاضنة لمدّة شهريْن.

هذا البيان الذي تناقلته الوسائل الاعلامية سريعاً محدثاً حالة من الغضب الشعبي ضدّ المستشفيات الخاصّة والحكومية على قاعدة “القصّة مش رمّانة… قصّة قلوب مليانة”، دفع وزارة الصحّة العامّة إلى نشر “تعقيب” على القضية، وذلك بعد مرور ساعة أو أقلّ على بيان والد الطفل، مؤكّدة أنّ التدخل الوزاريّ حدث، وأنّ الجثة سلّمت فعلياً يوم أمس أيّ يوم الاثنين، معبّرة عن رفضها قانونياً وإنسانياً ربط تسليم جثّة المريض بحلّ الشؤون المالية.

يُمكن القول، إنّ المعلومات المتضاربة في ظلّ حديث الوالد عن “احتجاز” الطفل في مستشفى خاصّ، وردّ الوزارة أنّها سلّمته في وقتٍ سابق، يدفع إلى طرح سلسلة من التساؤلات حول سبب نشر البيان في حال تسليم الطفل لذويه فعلياً، مع سبب نشر الوزارة سريعاً لبيان “مضاد”، في وقتٍ لم يصدر فيه أيّ بيان من المستشفى يُوضح ما حدث.

المستشفى

“لبنان الكبير” حاول التواصل مع المستشفى (الذي تأسّس منذ سبعة أعوام في بلدة حرار العكّارية)، فتحدّث مع مصدريْن طبّيين ليُؤكّدا المعلومات المنتشرة أو ينفيانها، ويقول الأوّل: “إنّ الطفل كان بحاجة الى رعاية خاصّة قدمّها المستشفى بعناية حتّى اللحظة الأخيرة، في وقتٍ لا تُقدّم فيه مستشفيات أخرى هذه الخدمات بالأسعار عينها، وصحيح أنّنا قمنا بواجباتنا لكن نريد حقوقنا المالية أيضاً، وهذا ما يُفسّر وجود خلافات على أساس ماديّ لأنّهم تأخروا عن السداد، لكن أسلوب الردّ بالبيان الأخير فوجئنا به ولم نتوقّعه بهذا الأسلوب، خصوصاً وأنّنا لا نُشعر أحداً بالخيبة والخذلان”.

أما المصدر الثاني فيذكر تفاصيل ما حدث، قائلاً: “القصّة بدأت مع سيّدة تُحاول إيجاد مستشفى يستقبلها ضمن قسم الولادة، في ظلّ رفض المستشفيات في طرابلس استقبالها، وهي في حال سبعانية أيّ ستلد في الشهر السابع، فلجأت إلينا ودفع الأهل دخولية حوالي 1500 دولار لإتمام عملية الولادة، ودخل الطفل العناية الفائقة بحيث لم تُفتح رئتاه، كما أجريت عمليتان له ووضعناه على أجهزة تنفس ضمن الحضّانة كي يعيش، ولم نقصّر أبداً في تقديم عناية طبّية تكلفتها مرتفعة جداً في الحقيقة، لكنّنا احتسبنا لهم 200 دولار يومياً، وكنّا نطالب كلّ فترة بدفع الأموال التي نتكبّدها في مستشفى تُغطّي أرامل وأيتاماً لأنّها خاصّة لصندوق الزكاة في لبنان”.

ويُضيف: “الطفل توفي يوم الأحد بعد المغرب، فجاء بعض أفراد العائلة التي تنتمي إلى عشيرة في علما إلى المستشفى الساعة 11 ليلاً، وقلنا لهم في وقتٍ غابت فيه الادارة عن الحضور في هذا التوقيت، إنّنا نريد تعهداً لازماً بضرورة الاتفاق على كيفية إعادة الأموال ودعوناهم إلى الحضور غداً، ولم نكن نريد سوى توقيعهم على هذا التعهّد، وهذا ما لم يحدث، وفي اليوم التالي اتصل رئيس العشيرة بإدارة المستشفى التي أكّدت أنّها لم تحتجز الطفل خلافاً لما يُقال، لكنّها تُريد التعهد فقط، فجاء الأب وقدّم صورة هويته، وقّع التعهّد، ثمّ تسلم الجثة”.

وعن تفاصيل المبالغ، يلفت المصدر إلى قيام العائلة بدفع دخولية المستشفى فعلياً، مشيراً إلى تلقّيها مساعدة مالية من إحدى الجمعيات بـ 500 دولار. ويوضح أنهم “دفعوا بعدها 300 دولار وغيرها من المبالغ، أمّا المبلغ المتبقّي فيصل إلى 8000 دولار، قلنا لهم ادفعوا نصفه ثمّ ادفعوا الباقي بالتقسيط، لأنّنا قمنا بواجبنا وتحمّلنا تكاليف كبيرة من أجهزة تنفس، أدوية، أطباء وموظفين يبلغ عددهم 150 موظفاً، ولهذه الأسباب ركّزنا على أهمّية التعهّد، وبالتالي إنّنا لن نسامح أبداً في حال لم تُدفع لنا التكاليف”.

معطيات “لبنان الكبير”، تلفت إلى أنّ الوزارة كانت تواصلت مع المستشفى يوم الثلاثاء لمعرفة حقيقة البيان ورواية المستشفى عنه، فوضع المستشفى الوزارة بمعنييها بالصورة “المالية” التي أحدثت هذه البلبلة شمالاً.

العائلة

يتحدّث أحد المقرّبين لعشيرة عليّ في علما- زغرتا التي ينتمي إليها والد الطفل وزوجته لـ “لبنان الكبير” عن الحادثة، قائلاً: “فعلياً لم نجد سريراً أو حاضنة في أيّ مستشفى طرابلسيّ بحيث بحثنا في النيني، الشفاء وأوارنج ناسو ولم نجد مكاناً، فتحدّثنا مع (ج.د) الذي حجز لنا سريراً في مستشفى الحبتور الذي يبعد عنّا ساعة ونصف الساعة تقريباً، ودفعنا عند الدخولية 1500 دولار تتضمّن العملية القيصرية التي تُكلّف 350 دولاراً، ودفعنا 10 أيّام مقدّماً للطفل الذي احتُسب لعلاجه مئتا دولار على الليلة، فوجّه أحد أفراد العائلة حينها نصيحة الى والد الطفل بأنّ الرضيع سيبقى شهرين والتكاليف ليست سهلة على الاطلاق، لكنّ الوالد كان يدفع كلّ فترة من أصل 13000 دولار كحقّ للمستشفى”.

وإذْ يُؤكّد أنّ العائلة تواصلت مع أحد نواب عكّار “الذي ساعدها بمبالغ كانت تُقدّم كلّ فترة ووصلت إلى 2500 دولار تقريباً ليبقى 8000، وتواصلت أيضاً مع أحد الأطباء في إدارة المستشفى لإيجاد حلّ، فكان الحلّ توقيع التعهّد ودفع 4000 دولار، فتدخل شيوخ العشائر ومنهم حمد الريّس شيخ العشيرة ووالده خضر أيضاً، لتهدئة الوضع وحلّها بطريقة سلمية”، يوضح أنّ بشر أيّ والد الطفل، يُعدّ إنساناً بسيطاً، لديه بعض الأغنام ويعيش في قبو تحت منزل أهله، ولا يملك أموالاً يُخبئها لكنّه فعلياً لا يُحسن التصرّف، قائلًا: “بعد وفاة طير من طيور الجنّة، نصح أحد المقرّبين بشر بألّا يتوجّه إلى المستشفى، بل إلى الشيخ خضر للتفاوض ضمن إطار الحكمة، لكن لم يسمع منه، فتوجّه مع عدد من النّاس إلى المستشفى ليلاً وكانوا يشعرون بالغضب، وقيل لهم حينها انّهم لن يتسلّموا الرضيع إلّا بدفع المال، وفي اليوم التالي سلّم الطفل ودفناه الساعة الواحدة ليلاً”.

ويعتبر أن “المستشفى لم يُخطئ حينما طالب بحقّه، لكن كان لا بدّ له من أخذ الأمور بروية أكثر، خصوصاً أنّ هذا الشاب لا يدعمه أحد وحاولت عائلته مراراً جمع الأموال له لكنّها بقيت غير كافية، وهذا ما يُوضح سبب رفع محاسبة في المستشفى منذ أسبوع صوتها على والدة الطفل وهدّدتها بقطع الدواء عن محمّد، وهذا ما لم يحدث طبعاً وتواصلنا معها واعتقدت أنّنا نهدّدها وهذا غير صحيح، إلا أنّ الطفل تُوفي في آخر المطاف وعاتبنا الوالد الذي أساء التصرّف من جديد بعد نشره هذا البيان”.

شارك المقال