يبقى رمضان كريماً

السيد محمد علي الحسيني

يقبل شهر الصيام هذا العام على اللبنانيين وأوضاعهم مزرية، فحال لبنان في السنوات الأخيرة تزداد سوءاً بسبب الركود الاقتصادي، وتدهور الظروف المعيشية، وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، الأمر الذي انعكس سلباً على الحياة الاجتماعية، فضلاً عن طبول الحرب التي تقرع في بلد أرهقته الحروب والنزاعات. وفي ظل كل هذه الظروف الصعبة يبقى رمضان شهر الله المبارك الذي يحل بكرمه ورحماته ليتنفس اللبنانيون الصعداء بفيض نفحات الشهر الفضيل وما يحمل من خيرات معنوية، وتعاضد اجتماعي، وإيثار وتعاون على البر والتقوى، وتفعيل مظاهر الخير من صدقات وزكاة وإطعام للفقراء والمساكين، وتمتين للعلاقات الأسرية.

رمضان شهر الصبر والإيمان

إن ما يميز اللبنانيين أنهم شعب يصنع بصبره ملحمة من الإيمان والتحمل، وإن حلول شهر رمضان الكريم هو مناسبة لمضاعفة الصبر، فالأجر على قدر الصبر والمشقة، وإن ديننا الحنيف شرع صيام شهر رمضان لما له من فضل وفوائد جمة ليس على الصعيد الفردي فحسب وإنما على المستوى الاجتماعي. ونحن ندرك أن اللبناني يرتفع منسوب عطائه في شهر الله الفضيل، فتراه يسارع إلى الخيرات لإطعام الجياع من الفقراء والمحتاجين لما في ذلك من الأجر العظيم مصداقاً لقول رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وآله وصحبه الاخيار): “من فطر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء”.

وصيام شهر الله المبارك مناسبة يتأمل فيها العبد حجم ضعفه وحاجته وفقره لربه، وفي زخم الحياة وتحدياتها يتضاعف إيمان المسلم ويدرك نعم الله عليه، ويتشارك مع إخوانه الفقراء ويحس بمعاناتهم، فيقبل على مواساة الفقراء والإحسان إليهم. ومن المؤكد أن الصيام فريضة الله التي كتبها على عباده في كل الأديان فهو القائل (جل جلاله): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ومن هنا يتضح أن الله (عز وجل) كتب علينا الصيام للوصول إلى درجة التقوى، وهي درجة عظيمة في مفهومها ومعانيها والتي تتضمن طاعة الله ورسوله محبة ورغبة ورهبة، كما أن الصيام يهذب النفس ويربيها على الصبر وقوة التحمل.

يبقى رمضان كريماً بعطائه

إن المتعارف عليه في لبنان أن رمضان يأتي بنفحاته الطيبة ومبادرته الخيرية، فتجد الجميع يستقبله بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على تحقيق أهدافه، فهو رمضان كريم بكرمه وسعته، بتبادل الزيارات وصلة القربى، وتقديم المساعدات للمحتاجين ليعم الخير على الجميع. فلا تكون الفرحة محصورة في طبقة دون أخرى، بل إن أضعف الإيمان فيه استقبال الناس بوجوه ضاحكة مستبشرة يملؤها التفاؤل بأن الله تعالى يمتحن صبر عباده وايمانهم، وأن بعد الصبر يأتي الفرج “فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا”. وسيبقى رمضان كريماً في عرف اللبنانيين مهما كانت المدلهمات والمآسي، وعلى الرغم من قساوة الظروف لن تتغير القلوب العامرة بالإيمان، وسيبقى رمضان شهر المكرمة والهدى ومدرسة يمتحن فيها صبر المؤمنين وايمانهم، وسبحان القائل: {شهر رمضان الذي أنـزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}.

مبارك عليكم حلول شهر رمضان المبارك وأسأل الله (عز وجل) أن يعم الخير والأمن والأمان فيه ويسلمنا جميعاً من كل مكروه وسوء وشر.

ورمضان كريم.

شارك المقال