رمضان يفتقد عزّه… تلفزيون “المستقبل” قريباً

عمر عبدالباقي

تلفزيون “المستقبل”، الذي كان متربعاً بين الشاشات اللبنانية وأيضاً في العالم العربي، هو الشاشة الأهم التي طُبعت في الأذهان وأكثرها تأثيراً في ذاكرة الجمهور، وخصوصاً في مثل هذه الأيام من شهر رمضان المبارك، فالمشاهد اعتاد متابعة هذه الشاشة بعرض أجمل البرامج التلفزيونية الرمضانية.

تلفزيون “المستقبل” تميز بتقديم برامج رمضانية متنوعة ومميزة، جمعت بين الجانب الديني الذي يرتبط بشهر العبادة والصيام، والجانب الثقافي الذي يسلط الضوء على التراث والعادات الشعبية في هذا الشهر الفضيل، وعكست جماليته كونها شاشة لبنانية ومتألقة عربياً، لكنها لم تنسَ الشارع البيروتي الذي يحمل في تاريخه هذه العادات والتقاليد في جعبته التراثية، وهي الشاشة الوحيدة التي كانت كل هذا بين باقي الشاشات.

تحظى اذاعة “الشرق” هذا العام، وكما جرت العادة منذ سنوات، بفرصة عرض برنامج ديني خاص، بالتعاون مع الشيخ بهاء الدين سلام، وذلك في إطار البرامج الدينية المعتادة التي تُبث في شهر رمضان. ويشارك تلفزيون “المستقبل” في هذا البث، كجزء من جهود إحيائه هذا الشهر المبارك، وهنا يطرح السؤال عما إذا كانت هذه الخطوة بادرة أمل لعودة “المستقبل” في المستقبل القريب؟

وضعه على السكة الصحيحة

مصدر مسؤول في تلفزيون “المستقبل” أجاب لموقع “لبنان الكبير” عن هذا السؤال بالقول: “تعتبر فترة شهر رمضان من الأوقات التي يشهد فيها تلفزيون المستقبل زيادة ملحوظة في عدد المشاهدين، وذلك بفضل التخطيط الدقيق لتقديم أفضل المحتويات خلال هذا الشهر المبارك. ولكن الجديد هذا العام هو العرض المشترك بين إذاعة الشرق وتلفزيون المستقبل، برنامج يقدمه الشيخ بهاء الدين سلام، والذي يحقق نسبة مشاهدة عالية، بالاضافة إلى عروض الأذان والمدفع والمواضيع الدينية المخصصة لهذا الشهر الفضيل”.

وعما اذا كانت هذه بادرة، قال: “يمكننا بالتأكيد القول نعم، إنها نقطة بداية واعدة، تعزز الأمل في العودة القريبة للتلفزيون ووضعه على السكة الصحيحة فهذه نقطة في أول الغيث ان شاء الله”.

وأكد المصدر أن “دور التلفزيون الذي كان ممثلاً لصوت العائلة سلط الضوء على قضايا اجتماعية، سياسية واقتصادية حيوية، تجاوز بها الحواجز اللبنانية. ويعتبر التلفزيون محطة تلاقٍ لجميع اللبنانيين، الذين يشاركون فيها بغض النظر عن توجهاتهم الطائفية والسياسية”.

العودة الجزئية فاتحة خير

الشيخ بهاء الدين سلام صاحب البرنامج الذي يعرض حالياً في شهر رمضان، شدد في حديث لموقع “لبنان الكبير” على أن “لتلفزيون المستقبل مكانة وجدانية كبيرة في قلوب أهل بيروت خصوصاً وأهل لبنان عموماً، لا سيما في شهر رمضان المبارك، لما يمثل من ذكريات ومن قيمة عند الكثيرين، لذلك رأت إدارة التلفزيون واستجابة لطلبات كثير من المتابعين أن يكون في شهر رمضان برنامج ديني مباشر على الهواء يحقق التواصل والتفاعل مع الناس، وبالفعل تم الاتفاق على تقديم هذا البرنامج كعودة جزئية لبث شاشة المستقبل لعلها تكون فاتحة خير بإذن الله تعالى، مع التأكيد أن يكون هذا البرنامج قريباً من الناس في مشكلاتهم وهمومهم اليومية إضافة إلى السعي للاجابة عن أسئلتهم اليومية المتعلقة بشهر رمضان المبارك وما فيه من استفسارات دينية حول الصيام وغيره من القضايا”.

وعزا الأصداء الإيجابية للاعلان عن البرنامج الى أن “قلوب الناس تمتلئ بالحنين لهذا التلفزيون الذي يشكل جزءاً من وجدانهم وذكريات طفولتهم وأيام الخير التي تذكرهم ببيروت في أجمل أوقاتها. فالناس ومنذ سنوات طويلة تعودت أن شهر رمضان له طابع مميز على شاشة المستقبل”.

وقال سلام: “أنا مثلاً قدمت على مدى عشر سنوات برنامج خير الكلام على هذه الشاشة وانطبع في قلوب الكثيرين وارتبط في أذهانهم بشهر رمضان المبارك، فشاشة المستقبل كانت دوماً تعد لهذا الشهر عدداً من البرامج التي تراعي حرمته وتتماشى معه من قراءة قرآن واستضافة العلماء من مختلف البلاد العربية وإجراء الحوارات الدينية والثقافية المفيدة للجميع، وهو ما نفتقده اليوم في عدد كبير من الشاشات التي لا تراعي أجواء هذا الشهر الكريم، بل وأحياناً تقدم ما يتعارض معه، ولذلك نرى هذا النفور من الناس من مشاهدة هذه القنوات وزيادة الحنين لعودة هذه الشاشة الكريمة وخصوصاً في رمضان”.

أضاف: “نستبشر خيراً بالعودة الجزئية لتلفزيون المستقبل خلال شهر رمضان، وندعو الله أن تكون العودة الكاملة قريباً إن شاء الله، وكل عام وأهل بيروت ولبنان جميعاً بخير وصحة”.

شوق الى الشاشة المميزة

احدى مذيعات تلفزيون “المستقبل” الاعلامية لينا دوغان قالت لموقع “لبنان الكبير”، رداً على سؤال عن عودة تلفزيون “المستقبل”: “أتمنى بشكل واضح عندما يتعلق الأمر بعودة تلفزيون المستقبل. ليست لدي أي معطيات حالية تشير إلى وجود بوادر أو إشارات لعودته، ولكن هناك تمنٍ كبير. فعندما نشر الشيخ بهاء الدين سلام الفيديو الترويجي للبرنامج على مواقع التواصل الاجتماعي قمت بمشاركته عبر حساباتي الشخصية في هذه الوسائل. ومن الصعب تصديق الكم الهائل من التعليقات والردود التي تلقيتها من الجميع في لبنان والخارج، لمعرفة كيفية مشاهدة البرنامج وطلب تردد القناة للحصول على إرشادات المشاهدة. وهذا المثال بحد ذاته يلخص الشوق العميق والحنين الذي يشعر به الناس تجاه هذه الشاشة المميزة”.

الحنين لمؤسسة عريقة

الحنين لعودة تلفزيون “المستقبل” لم يكن لدى المشاهدين فحسب بل شمل العاملين والموظفين الذين كانوا يكرّسون جهودهم وطاقتهم في خدمة هذا المشروع التلفزيوني الرائد. وروى أحد العاملين الفنيين الذي قضى سنوات تحت لواء تلفزيون “المستقبل”، من الانطلاقة في التسعينيات حتى الاعلان عن تعليق البث عام 2019، قائلاً لموقع “لبنان الكبير”: “التعب والجهد اللذان كانا يُبذلان في عملنا، من العمل لساعات وتحت الضغط، لم نكن نشعر بهما، بسبب حبنا وارتياحنا في البيئة التي نحن فيها، وخصوصاً تحت إدارة بدأت من الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصولاً إلى الرئيس سعد الحريري”.

أضاف: “في مثل هذه الأيام نكون قد دخلنا شهر رمضان، مستعدين وجاهزين لعرض كل ما كان قيد الاعداد والتحضير قبل ذلك بشهر، فكنا نواجه الضغوط التي تتراكم بسبب الكم الهائل من المهام كي يصل رمضان، حتى يُصبح عملنا أخف. ومع ذلك، وعلى الرغم من التعب كان على قلوبنا أحلى من العسل، فيكفي أننا كنا تحت سقف مؤسسة عريقة، تُقدر قيمة الموظف ومعروفة بأهميتها الكبيرة في لبنان والعالم العربي، ولم ينسَ الشهيد رفيق الحريري أيضاً تكريمنا كموظفين باعطائنا زيادات إضافية على الرواتب كل فترة، ما يعكس تقديره وامتنانه لجهودنا، وهذه واحدة من الأمور التي كانت تشجعنا على الاستمرار في العمل بكل حب، والتي أوصلت التلفزيون الى انتاج أهم البرامج التي لا تُنسى في وجدان المشاهد، فمثلاً أنا كعامل فني، عملتُ في برنامج ميشو شو الذي كان يُعدُّ أحد أهم البرامج في تلك الفترة، ولا تتخيل الأجواء والاقبال الكبير من عدد المشاركين والمتابعين له طيلة شهر رمضان”.

برامج وأعمال فنية لا تُنسى حاكت بيروت وأهلها بصورة ممتعة، فكم يشتاق المشاهد اللبناني والبيروتي تحديداً الى أن تعود هذه الشاشة وتسلط الضوء على القيم التراثية وخصوصاً في رمضان.

العمل بحب وشغف

الكاتب والباحث زياد سامي عيتاني الذي كتب بضعة برامج رمضانية لتلفزيون “المستقبل”، روى لـ “لبنان الكبير” تجربته وتلقيه التشجيع على المساهمة في ايصال هذا المحتوى الرمضاني المبني على الثقافة البيروتية عبر عرضها في التلفزيون، وقال: “أتيت بفكرة كتابة برنامج يحاكي العادات والتقاليد الرمضانية التراثية في بيروت قديماً بعدما عبّرت الاعلامية ماجدة الشعار عن رغبتها في تقديم برنامج رمضاني، وهنا حظيت الفكرة بالتشجيع والدعم مستعيدين ذكريات الجيل القديم الذي عاش تلك الأجواء الرمضانية في بيروت زمان، من خلال مروياتهم، التي أضفت على البرنامج حكايات وطرائف وذكريات، زادت من قيمته الاعدادية، خصوصاً أنها إتسمت بالعفوية والحنين والشجن، وقد عملنا جميعاً بحب وشغف ليكون البرنامج الرمضاني مختلفاً عن كل البرامج النمطية ذات الطابع الديني، وأطلقنا عليه إسم: زمان يا رمضان… وتزامن عرضه خلال شهر رمضان مع المسلسل الذي أعده المبدع أحمد قعبور الحلونجي، ما أضفى على شاشة المستقبل ذلك العام جواً رمضانياً ذا نكهة بيروتية محببة، ومقبولة من مختلف شرائح المجتمع اللبناني”.

وتابع عيتاني: “ما زلت أذكر تماماً أن مثل تلك البرامج الرمضانية والكليبات الغنائية والأفلام الترويجية الحضارية، كانت موضع

شاهدة واسعة في الأوساط المسيحية بالقدر نفسه لدى الأوساط الإسلامية”.
وهذا كان الهدف الأساس للرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما قرر إنشاء “المستقبل” في أن يكون لكل لبنان، ويكون العاملون فيه نموذجاً عن كل مكونات المجتمع اللبناني.

شارك المقال