خطأ طبّي فادح يكتب قصّة مأساوية لطفلٍ عكاريّ وشقيقه!

إسراء ديب
إسراء ديب

لا يتوانى المواطن أحمد الراجح عن مساعدة طفليْه اللذيْن يُواجهان أزمات صحيّة قاسية ناتجة عن وقوع أخطاء طبّية فادحة طالتهما منذ أعوام، وفي وقتٍ لم يُحاسب فيه (حتّى اللحظة) القائمون على هذه الجريمة الشنيعة التي تقضي على مستقبل طفليْن من مشتى حسن – عكّار، يُحاول الوالد (45 عاماً) دفع “الغالي والنفيس” ثمناً لمعالجة كلّ من جُليْبيب ومحمّد الذي تُعدّ حاله الصحيّة أصعب بكثير وأشدّ وطأة.

في الواقع، تُسلّط قضيّة الطفل محمّد (13 عاماً) الضوء على ملف “الأخطاء الطبّية” الذي لم يُقفل يوماً، في ظلّ جهد يبذله الوالد (الذي يعمل كسائق كميون) باستمرار لإعادة فتح ملف نجله، وذلك عبر مقاطع مصوّرة ومباشرة ينشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، وعبر مقابلات إعلامية كان أجراها من جهة ثانية، بغية توثيق نتيجة ما اقترفته أيدي بعض الأطباء تحديداً “بعد إزالة الطبيب المتخصّص نصف دماغ محمّد من دون معرفة ذويه بالأمر، بل كانوا يعتقدون أنّ الطبيب سيُزيل جزءاً بسيطاً وفق روايته لهم، ما تسبّب في شلل الطفل وإصابته بعوارض زادت حاله سوءاً، وفق ما يُؤكّد الراجح لـ”لبنان الكبير”.

والد الأطفال السبعة، بات الشارع اليوم ملجأه الوحيد والأخير لجمع أموال التبرّعات المخصّصة لعلاج نجله الذي يحتاج إلى المساعدة فعلياً، كما للمطالبة باسترداد حقّه ممّن أخطأ طبّياً فيه، بحيث ينتقل بين منطقة وأخرى (البداوي، دوار السلام، عكّار، مرياطة…) لهذه الأهداف، في ظلّ رفض أمنيّ وطبّي حيناً، وشعبيّ حيناً آخر نظراً الى وقوفه في الشارع وصموده منذ أعوام على هذا الهدف الذي دفع مواطنين إلى القول: “شو بعد ما مات الصبي؟ ما حلّو يموت؟”.

ويروي الراجح الذي يقطن في طرابلس تفاصيل حال محمّد قائلاً: “قصّة ابني بدأت مع خطأ طبّي ارتُكب في مستشفى الحكومي في طرابلس عند ولادته، بحيث سُحب بطريقة خاطئة ما أدّى إلى انقطاع الأوكسيجين عنه وتشكيل نقطة دمّ في دماغه كانت نتيجتها تعرّضه المستمرّ لنوبات الصرع أو ما يُعرف بالكرايز، وذلك بين 18 و21 نوبة يومياً، وبعد وضعه في العناية المشدّدة للأطفال، نصحني أحد الأطباء بطلب طبيب أعصاب، فيما رفض أحد الأطبّاء المعنيين هذا الأمر وهو (ف.ح)، بحجّة أنّه يُدرك كيفية إتمام عمله جيّداً، فحاولت التحدّث معه كثيراً لأقنعه بأنّ ابني يموت في العناية، وقال لي لا شأن لك بهذا الأمر، ولا يُمكنك أنْ تُملي عليّ ما يجب فعله، وأقفل الخطّ في وجهي”.

وبعد خروجه من مستشفى الحكومي، توجّه إلى مستشفى الهيكلية – الكورة ليكشف على محمّد أحد أطباء الأعصاب، وبعد أربعة أشهر، اتُخذ القرار بإجراء عملية له في مستشفى الروم- بيروت، وذلك عام 2012 على يدّ الطبيب (أ.م)، “حينها قيل لنا انّه يحتاج إلى عملية في دماغه للحدّ من النوبات، ووصفوا لنا العملية بأنّها عبارة عن إزالة جزء بسيط من الدّماغ يتسبّب في هذه الظاهرة الصحية، كما أقنعني الطبيب بالعملية حينما جعلني أشاهد أطفالًا آخرين أجروا العملية عينها في بلجيكا مثلاً، وكيف عاد الطفل إلى طبيعته، فوافقت على العملية بعد الاتكال على الله”.

ويُضيف: “انتظرنا ساعات طويلة لإتمام العملية، أكثر من تسع ساعات، وكنّا على أعصابنا، وخرج طفلنا إلى العناية حيث احتجزه المستشفى بسبب مبلغ ماليّ صغير متبقٍ علينا، وتمكّنت حينها من اللجوء الى الاعلامي طوني خليفة في برنامج للنشر لحلّ الأمر. وبعد خروجه من المستشفى، كانت حاله تسوء أكثر بكثير، واستمرّت على هذا المنوال لخمسة أعوام، ولم نترك مستشفى في لبنان إلّا وتوجّهنا إليه بلا فائدة، وصولاً إلى عام 2017 حين قرّرت تنفيذ ثورة عبر مواقع التواصل وناشدت وزارتيّ الصحة والشؤون الاجتماعية التدخل وأيضاً بلا فائدة”.

إنّ “الطامة” الكبرى لا تكمن في عدم تدخل المعنيين فحسب، بل كانت باكتشاف الخطأ الطبّي الأكبر والأكثر فظاعة، وفق رواية الوالد الذي يقول: “تدخلت فيما بعد جمعية بنين وكشفت على ابننا لتأخذ الملف على عاتقها، فقامت بحملة وسافرنا إلى إيطاليا، واكتشفنا بعد الفحوص أنّ رأس محمّد خالٍ، أيّ أنّ دماغه قد أزيل نصفه، وهذا هو سبب شلله، وعدم قدرته على الاستماع إلّا بأذن واحدة، عدم نطقه، عدم شربه للمياه، عدم تحرّكه، إضافة إلى غياب المناعة عن جسده للأسف، فبدأت رحلة علاجه وسافرنا ست مرّات تقريباً، بجهد من الجمعية وبعد بيعي منزلي، سيّارتي، ممتلكاتي وأغراضي كلّها، ليتحسّن وضعه بنسبة نتفاءل بها، إذْ أصبح يحرّك يده ورجله بعد العلاج، كما يرى ويسمع بنسبة 30 بالمائة من دون أنْ يجلس أو يتكلّم”.

وعمّا إذا كان لجأ إلى القضاء بعد اكتشافه الخطأ، يلفت إلى أنّه اتجه بعد عودته من إيطاليا مباشرة، إلى قصر العدل- طرابلس لرفع دعوى، ورفضت النيابة العامّة هذا الأمر، طالبة منه التوجّه إلى قصر العدل في بيروت والذي رفض أيضاً، “ولهذا السبب لجأت إلى الاعلامية ريما كركي عبر برنامج للنشر نظراً الى استغرابي من رفض إدانة مستشفيات يبدو أنّها تابعة لأحزاب سياسيّة، وقلت حينها انّ كلامي هو بمثابة إخبار للنيابة العامّة، ولم يُحرك أحد ساكناً”.

إنّ رحلة العلاج التي يُمكنها أنْ تستغرق أربعة أشهر ولا بدّ من إتمامها سنوياً، تكلفتها باهظة للغاية وتصل إلى 45 ألف دولار تقريباً، “وبعد انسحاب الجمعية التي دعمتنا لأعوام بسبب عجزها عن الاستمرار، لم يتدخّل أحد، وقمت مع متطوّعين في الجامعات باللجوء الى الشارع بترخيص رسميّ يستمرّ لثلاثة أشهر، لاجراء حملات باللحم الحيّ بعد بيعي كلّ ما أملك واضطّراري الى البقاء في منزل والدتي مع أولادي، وهي حملات تأتي بأموال بالليرة لا بالدولار، وأنا في الواقع، أقبل بجمع 15 ألف دولار لأسافر لمدّة شهر لاستكمال علاجه بعد وصول نسبة التحسّن إلى 40 بالمئة وفق الطبيب، وأنا أخشى عليه من الانتكاسة التي ستُصيبه عند تأخره في العلاج”.

وفي ظلّ خشية الأبّ من احتمال عدم تجديد الرخصة، يُؤكّد أنّه واجه حملات مضادّة من نقابة الأطباء شمالاً، ومن بعض الأمنيين والمواطنين، موضحاً أن “النقابة تحديداً رفضت لافتات كتبت عليها أنّ حال طفليّ كانت نتيجة الفشل الطبّي في لبنان، فقدّمت شكوى الى وزارة الدّاخلية واعتراضها حدّ من الحملة بحجّة تشويه صورة الأطباء، كما هاجمني بعض الأمنيين لفترة لكن الأمر انتهى فيما بعد”.

وعن جُليْبيب (8 أعوام)، يُعاني من نوبات كهربائية أيضاً ناتجة عن ضربة تلقّاها على رأسه مباشرة، بعد قيام أحد الأطفال بضربه بـ “القشاطة” الخشبية، “فلجأنا إلى أطباء وصفوا له أدوية زادت من مستوى النوبات التي باتت تصل إلى 33 نوبة تحدّث ليلاً بصورة صادمة وقاسية ولا تحدث نهاراً، ونحن قلقون للغاية من أنْ يكون مصيره كشقيقه، لذلك أحاول ووالدته التناوب دائماً من خلال السهر عليهما كي لا يُصيبهما مكروه”.

شارك المقال