بروح البهجة الفريدة… كرنفال “الزامبو” من الميناء إلى العالم!

إسراء ديب
إسراء ديب

يتمسّك أهالي الميناء في طرابلس بكرنفال “الزامبو” السنويّ الذي تنفرد بإحيائه هذه المدينة الحريصة على مشاركة ونشر هذه الفعالية التي يحتشد من أجلها الآلاف في يوم الأحد الأخير الذي يسبق “الصوم الكبير” عند الطوائف المسيحيّة التي تتبّع التقويم الشرقيّ، وذلك عبر طقوس وعادات لافتة تنشر الفرح في وقتٍ تكثر فيه الأزمات المختلفة محلّياً.

إنّ التقليد السنويّ الذي يقلب أجواء المدينة “رأساً على عقب”، لا يزال مستمراً منذ أكثر من 100 عام، ويُواظب على إحيائه القاطنون في الميناء سنوياً، وذلك منذ تلقّيهم هذه الطقوس من مصدرها الخارجيّ، (أيّ من البرازيل وفق ما يُقال تاريخياً) حتّى يومنا هذا، من دون ملل، وبلا تراجع عن البهجة “الخاصّة” والاستثنائية التي يشعر بأهمّيتها كلّ مواطن في هذه المدينة.

في الواقع، يُؤمن القائمون على هذه العادة السنوية، بأنّها انتقلت مع المغترب الميناوي الذي عاد من البرازيل إلى مدينته بعد هجرته منها بسبب حكم العثمانيين كما يُقال، أو بسبب الحرب العالمية الأولى، وانتقل إلى الخارج حيث عمل في الزراعة وفق ما يستذكر بعض السكّان، فيما يُؤكّد آخرون أنّها انتقلت مع القوات السنغالية والفرنسية التي كانت موجودة محلّياً خلال الحرب العالمية الثانية، بحيث تأثّر أهالي الميناء بطقوسها التي تُجرى قبيل الصوم، بينما يلفت البعض الآخر إلى أنّ هذه الاحتفالية مصدرها يونانيّ قديم ولم تنتقل عبر مغترب واحد، بل عبر أكثر من شخص تأثر بـ”رقصتها” وبهجتها، وحملها بغية الاحتفاء بها في الميناء.

وفي تفاصيل هذه “الضجّة” الايجابية التي غابت “عن السمع” خلال فترتيّ الحرب الأهلية وكورونا، أشعل الآلاف من المواطنين الأجواء بمهرجان الزامبو منذ أيّام، وذلك بعد انتهاء القدّاس السنويّ يوم الأحد، وعقب أيّام من تحضيرات متواصلة، بحيث عمد المشاركون (وهم ليسوا من الطائفة المسيحية أو من الميناء فحسب وفق المتابعين)، إلى اللجوء لمنزل قديم حيث قاموا بطلاء أجسادهم بألوان مختلفة كالأسود، الذهبي، الأبيض وغيرها من الألوان، مع حمل رماح من الخشب، كما وضع الريش وتوزيعه على رؤوسهم أو على أجسادهم للتجوّل بطريقة “راقصة” (تُشبه الطريقة الإفريقية، أيّ الأفارقة في قبائلهم أو الهنود الحمر إلى حدّ ما، وقد يرتدي بعضهم ثياباً مرتبطة بالمصريين القدماء- الفراعنة)، في شوارع الميناء التي يُشارك أهلها في مهرجان يُعدّ “مستغرباً” بالنسبة إلى الكثير من المواطنين، حتّى من المسيحيين خارج المدينة الذين لا يعرفون سبب هذه الفعالية أو علاقتها بزمن الصوم، لا سيما وأنّها غير مرتبطة بالدّين المسيحيّ وطقوسه الفعليّة وقد يراها البعض مثل الكنيسة الأرثوذكسية “بدعة” وغير موجودة، لكن يُؤكّد المشاركون أنّ هذه الجولة السنوية قبيل الصوم، تعني الرّغبة في التخلّص من الشهوانية والعبودية والانتقال إلى زمن الزهد والابتعاد عن الخطايا عبر تحرير أجسادهم بمسيرة تبدأ منذ الصباح الباكر على وقْع الرقص، التطبيل، الغناء، والعزف وتنتهي بتوجّهها إلى كورنيش الميناء ليغتسل المحتفلون من الطلاء الذي يرمز أخيراً إلى “طهارتهم” من جهة، وإلى البداية الجديدة من جهة ثانية.

وفق المنظمين، فإنّ التكلفة المالية لإقامة الكرنفال لا تُعدّ بسيطة، خصوصاً في ظلّ أزمة مالية باتت معروفة بظروفها وانعكاساتها، لكنّ “بوجود فعاليات ووجهاء من الميناء تمكّنوا من التبرّع والإسهام في المبادرة باستمرار لإحياء المهرجان، لم تتحوّل المسألة المالية إلى أزمة مقلقة”.

إلى ذلك، لا ينكر غابي سرور وهو أحد المشاركين في الاحتفالية، ضرورة التمسّك بالبهجة وبهذه الاحتفالية التي تُشارك فيها كلّ الطوائف في مدينة لم تعرف يوماً الطائفية أو التفرقة، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “نفرح بإحياء هذا الاحتفال الذي تفرح فيه كلّ الأطراف، وكنّا نتوق فعلياً إلى الشعور بهذه الفرحة التي فقدناها منذ أعوام لأسباب مختلفة، لكن على ما يبدو أنّ فرحة هذا العام كانت مختلفة عن الأعوام السابقة، ومبهجة للغاية، وفي الحقيقة إنّ هذه الأجواء تُعدّ جزءاً من صورة الميناء التي تعشق الفرح كما أعشقه تماماً، فعشنا لحظات لا تُنسى بدعم وبحماية من الجيش اللبناني الذي كان موجوداً معنا بقوّة من أوّل المسيرة إلى آخرها، وبتغطية صحافية مميّزة قامت بتصوير كلّ هذه الفرحة التي انتقلت من البرازيل إلى الميناء ومن الميناء إلى العالم”.

شارك المقال