الإنتاج السينمائي ينهار أيضاً… زمن العز ولّى

احمد ترو
احمد ترو

بيروت اليوم لم تعد تشبه بيروت الأمس، بيروت اليوم سماؤها كئيبة، شوارعها مضطربة، ملامح أبنائها يطغى عليها الهم والشجن، عملتها الوطنية نحو الهاوية، لم تعد صورة بيروت الباسمة كما هي بالأمس، أيام الخمسينيات والستينيات وحتى منتصف السبعينيات وربما أيضا خلال الحرب الأهلية، فعلى الرغم من كل شيء كانت أطياف الفرح تتربع في سمائها، وكانت شوارعها مليئة بالحياة، كانت ملامح البهجة والبحبوحة تظهر على وجوه أهلها، وكانت ليرتها بألف خير.

كان صيف لبنان يحمل معه مهرجانات دولية وقروية صغيرة تمتد على مساحة الوطن، مثل مهرجانات بعلبك وصور والبترون وإهدن. كان لبنان رمزاً للثقافة، والفن، والحياة، اللبنانيون والسياح العرب والأجانب كانوا ينتظرون موسم المهرجانات بفارغ الصبر لكي يستعيدوا حياتهم من جديد. كان لصالات السينما حينها دور أساسي في ازدهار ونمو العجلة الاقتصادية والسياحية في لبنان. فوسط بيروت التجاري (الداون تاون حالياً) كان يكتظ بصالات السينما التي كان يرتادها اللبنانيون والسياح مثل (سينما ريفولي وكابيتول وأوديون، وروكسي، وهوليوود، وديانا، وأمبير). هذا النمو في قطاع السينما جعل من لبنان جنة العرب على الأرض لم يأت من فراغ، فهناك استديوات كبيرة كان لها دور أساسي في هذا النمو كاستديو بعلبك الذي كان أكبراإستديو إنتاج في العالم العربي، واستديو الشرق الأوسط، واستديو هارون.

“فتح الله” أيام العز

وعلى هذا النحو لا بد أن نشير هنا إلى شركة “أبناء شفيق فتح الله للتوزيع والإنتاج السينمائي” في لبنان.  إذ توزعت الصالات السينمائية التي كانت تملكها هذه الشركة في كل المناطق اللبنانية، مثل (سينما الأهرام في منطقة الغبيري، وسينما الفيير في منطقة برج حمود، وسينما سلوى قرب جسر البربير، وسينما مونتريال في شارع الحمرا، وغيرها…)

أسس الشركة الأستاذ الراحل “شفيق فتح الله” سنة  1950 تحت إسم “السفير فتح الله وأولاده”. ومرت الشركة بالعديد من الأزمات منذ نشأتها حتى اليوم لكنها بقيت صامدة، وعن مستقبل الشركة، يقول المدير العام للشركة عبد الكريم فتح الله لـ “لبنان الكبير: “تحاول الشركة اليوم تغيير اتجاهها من السينما نحو الإنتاج التلفزيوني للدراما، والبرامج الدينية، والثقافية، وهناك أعمال جديدة قيد التحضير”.

قدمت الشركة على مسارحها أهم العروض المسرحية الكوميدية المصرية مثل: مسرحية “الزعيم” للممثل عادل إمام، التي حققت حينها نجاحاً جماهيرياً واسعاً، وحتى يومنا هذا مازالت كلماتها المحشوة بالضحك تتردد على مسامعنا. وهي التي أدخلت إلى لبنان أهم الأفلام المصرية مثل، فيلم “لا عزاء للسيدات” بطولة الممثلة فاتن حمامة، وفيلم “لا تبكي يا حبيب العمر” بطولة الممثلين نور الشريف وفريد شوقي الذي حطم إيرادات السينما في لبنان حينها، بالإضافة إلى أهم أفلام الأكشن الهندية، لكن بدأت الشركة تنهار بسبب الأوضاع الاقتصادية التي أصيب بها البلد خلال الحرب الأهلية وما تبعها من أزمات، وكانت سينما “أريسكو بالاس” آخر صالة سينما تملكها الشركة تسدل ستارها الأخير منذ حولي سبع سنوات”.

حال السينما اليوم

وعن وضع صالات السينما اليوم، يقول فتح الله “الله  يعين أصحاب صالات السينما، اليوم يعجزون عن تأمين ثمن كلفة الكهرباء، وفي حال رفعوا ثمن تذكرة الدخول حينها لم يعد بمقتدر أحد أن يدخل إلى السينما، وإذا رخصوا الأسعار يخسرون، فالجماعة تائهون بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار لأنهم يشترون الفيلم بالدولار الأميركي، فتذكرة السينما سابقاً كان ثمنها 10 دولارات، اليوم إذا قلت للمواطن إدفع 10 دولار ثمن تذكرة السينما هذه كارثة”.

ويضيف: “كانت تكلفة السينما على الأسعار القديمة 60 دولاراً لثلاثة أشخاص، واليوم  الـ 60 دولاراً أصبحت ميزانية تعيش بها العائلة اللبنانية شهر كاملاً”.

وفي السياق نفسه، يقول مدير المبيعات الخارجية بالشركة شفيق فتح الله: “إختلفت المصلحة  وتغيرت نظرة الناس نحو السينما، ومع ظهور (المولات) تقلصت اهتمامات الناس بالحضور إلى السينما المنفردة، كما أن خدمات المنصات الإلكترونية لإنتاج الأفلام لاقت إقبالاً جماهيرياً عالياً مثل (نيتفليكس، وإش بي أو) ونجاح هذه المنصات أتعب السينما، فالمشاهد أصبح يفضل مشاهدة الأفلام عبر هذه المنصات على أن يشاهدها في السينما لأن البطاقة الشهرية للاشتراك في هذه الخدمات تكلفتها أوفر من شراء تذكرة سينما صالحة لمشاهدة فيلم واحد فقط”.

فتح الله “من القمة إلى الهاوية…”

وعن سبب إقفال الشركة صالاتها السينمائية يوضح عبد الكريم فتح الله أن “كل شيء يعود لوضع البلد، المرتاح بالبلد يذهب لمشاهدة أفلام السينما، وإلى المطاعم، فالأمور كلها متصلة ببعضها البعض، فالاستقرار والاقتصاد المزدهر هما العنصران اللذان يدفعان المواطن إلى صرف المال، وألقى اللوم أيضاً على الدولة اللبنانية حيث قال:” ضرائب الدولة كانت تهلكنا”.

وبأسى شديد يعبر عن إستيائه من الوضع الذي حلّ بالشركة التي كانت الرقم واحد للتوزيع السينمائي في لبنان، وذكر أن “الشركة كانت توزع 70% من الإنتاج المصري، لكن الوضع الاقتصادي للبلد جعلهم يخسرون أموالهم”.

ويضيف: “الدولة لا تدعم هذه الصناعة، وغير مهتمة بنمو اقتصاد المعرفة، ووزارتا الإعلام والاقتصاد في حال أرادا تقديم المساعدات، فيقدمانها فقط للناس الذين لديهم واسطة، معظم المبادرات لإنتاج الفيلم اللبناني فردية من قبل الموزعين والمنتجين اللبنانيين، بينما في دول متقدمة مثل كندا، تمول الدولة المنتج ب 45% من الميزانية اللازمة لإنتاج فيلمه، وفي مصر الدولة تقدم كل الخدمات بدون أي مقابل لمساعدة الإنتاج المصري”.

إلى متى سيبقى دور الوزارات المعنية بالشؤون الثقافية والمرئية في لبنان غائباً ولا يبالي لا في حاضر ولا مستقبل الصناعة السينمائية؟ وهل الدراما التلفزيونية اليوم كافية لتعويض المشاهد عن السينما؟ وهل ستشهد صالات السينما ازدهارا من جديد أم أن المنصات الإلكترونية سوف تقضي عليها؟ السينما اللبنانية اليوم مجهولة المستقبل وحالها من حال لبنان.

شارك المقال