في الجنوب حرب… واحتفالات بالعيد

نور فياض
نور فياض

حرب، قصف ودمار… أحداث عاصرها اللبناني منذ زمن واعتادها. بعد حرب تموز، شهد لبنان عدة أزمات سياسية، صحيّة، اقتصادية، الا أن مشاهد الحرب عادت في أواخر سنة ٢٠٢٣ ولا تزال حتى اليوم مندلعة في الجنوب اللبناني وتحديداً على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة. وعلى الرغم من كل الأزمات المذكورة وغيرها، الا أن اللبناني يتأقلم سريعاً معها، ويعود بعد فترة وجيزة الى ممارسة حياته بصورة شبه طبيعية.

في شهر رمضان المبارك لم تغب الطقوس ومظاهر البهجة في كل المناطق وحتى بين النازحين الذين تخطى عددهم الـ١٠٠ ألف. العدو يشن يومياً غارات على المناطق الحدودية ويتخطى كثيراً قواعد الاشتباك ليصل الى العمق اللبناني، الا أن ذلك لم يمنع الجنوبي من التمتع بشهر رمضان أو حتى التحضير لاستقبال عيد الفطر.

بالعامية نقول “العالم على بعضها” وهذا حرفياً ما تشهده مدينة النبطية التي سبق وتعرضت لأكثر من اعتداء اسرائيلي. زحمة سير خانقة، ازدحام مواطنين، روائح الكعك والمعمول، أصوات الباعة كما أصوات “المحارجة”، بالاضافة الى عربة تجول برفقة عبود التي تصدح منها أناشيد رمضانية لتفرح الصغار وحتى الكبار. هذا كان المشهد يومياً بعد الافطار، اذ تتحوّل اهتمامات المواطن من تحضير الطعام الى الذهاب نحو محال الألبسة استعداداً للعيد.

يقول صاحب محل “عماشة” عبر “لبنان الكبير”: “لم نكن نتوقّع أن يكون الموسم ممتازاً، فالزبائن من مختلف المناطق والطبقات الاجتماعية تأتي لشراء مستلزمات العيد.”

ويؤكد “أننا استطعنا حتى الآن تأمين target السنة الفائتة، على الرغم من الاعتداءات الاسرائيلية، الا أن أهل الجنوب يحتفلون بالعيد مع العلم أن البيع أيام السلم لم يكن بهذه الوتيرة، ولا حتى في أول شهرين من السنة اللذين تكون نسبة البيع فيهما عادة قليلة جداً”.

ويلفت الى أن “ما عزّز نسبة الشراء هو وجود النازحين، فهم خرجوا من منازلهم من دون ثياب كافية لهم فأتوا لشرائها أولاً بسبب قدوم العيد، وثانياً لأن مجموعة الصيف عُرضت”، متخوّفاً من حصول “أي اعتداء قد يسبب شللاً في حركة المبيع.”

كما في النبطية، كذلك في صور المشهد واحد والزحمة واحدة ومشاهد الفرح والبهجة نفسها.

ويقول نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي لـ “لبنان الكبير”: “على الرغم من تجوّل طيران الاستطلاع فوق مدينة صور طوال الليل والنهار، الا أن ذلك لم يحرّك شيئاً لدى المواطن، اذ ظلت الزحمة في المطاعم وفي الشارع كثيفة جداً، ولم تخف وتيرتها بعد الافطار حتى بعد منتصف الليل، على عكس ساعات الصباح الأولى اذ تنعدم الحركة حتى الظهر”.

ويشير صبراوي الى أن “سكان المناطق الحدودية كانوا عادة يزورون صور في أيام الاعياد، ولكن اليوم هم يسكنون فيها وهذا ربما السبب في الزحمة الكبيرة التي نشهدها”، معتبراً أن “حركة الأسواق ممتازة كما نسبة البيع، فجميع المحال مكتظة بالزبائن”.

ويوضح أن “لا نشاطات من البلدية هذه السنة، انما جمعية جهاد البناء الانمائية بالتعاون مع بلدية صور تقيم مهرجان العيد للمونة والحرف على الكورنيش الجنوبي نهار الخميس.”

اما في صيدا عروس الجنوب فالجو التراثي غالب، اذ تملأ العربات الشوارع وتفوح منها الروائح الزكية ولا ننسى المعمول والسكاكر والأجواء الاحتفالية. اما المحال التجارية فمكتظة جداً بالمحتفلين بالعيد ونسبة الشراء وفق ما يقول غالبية أصحابه المحال. ولا يقتصر الشراء على الصيداويين فقط، بل ينسحب على مختلف المواطنين وحتى من جنسيات مختلفة اذ يتمتعوا بأسعار مدروسة تتناسب مع الطبقات الاجتماعية كافة، أو حتى الزوار الذين يأخذون استراحة من التسوّق في السوق المستحدث ليشربوا النرجيلة والقهوة بين المحال والعربات.

في الجنوب حرب، واحتفالات بالعيد. هذا هو الجنوبي يقاوم من جهة، ومن جهة أخرى يحتفل كمشهد من مشاهد الصمود ليقول للعدو انك لن تمنعنا من العيش كما نحب. فلطالما اعتاد الجنوبي واللبناني عموماً الأزمات، وربما خفّفت أحياناً من وهج احتفالاته في الأعياد الا أن لعيد الفطر نكهة خاصة لا يمكن تفويتها ولو حتى احتفل بها على الأنقاض وبين الدمار!

شارك المقال