الفتنة ومخاطرها في منظور الأديان

السيد محمد علي الحسيني

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الفتنة بأنواعها المقيتة، الفتنة الداخلية والفتنة المناطقية، إلا أن أخطرها هي الفتنة الطائفية التي تبدأ بكلمة التحريض وبث السموم ونشر الأحقاد والدعوة الى الكراهية، وتنتهي بحرب دموية لا تبقي ولا تذر. لذا، فإن الفتنة المتنقلة اليوم هي من أخطر وأخبث الأسلحة التي تستعمل لضرب الأمن المجتمعي بل لاستهداف أمن الأوطان واستقرارها. وتعتبر الفتنة أمراً خطيراً يمكن أن يؤثر سلباً على الفرد والمجتمع والوطن ككل، باعتبار أنها تثير الخلافات والانقسامات بين الناس، وتزيد من الاضطرابات والنزاعات التي قد تؤدي إلى الحروب.

ولا شك في أن الفتنة هي موضوع ذكر في العديد من الأديان والكتب السماوية والأحاديث الدينية، بحيث تعتبر إحدى الاختبارات التي تواجه الانسان في حياته، وتأتي في أشكال مختلفة تهدف إلى إثارة البغضاء والفوضى بين الناس، ولقد حذرت الأديان السماوية منها ودعت أتباعها إلى الاعتصام بالقوة الداخلية والإيمان بالله ليتجاوزوا تلك الفتن ويبقوا أقوياء في وجهها، ولا سبيل الى مواجهتها إلا بتعزيز التسامح والوحدة بين الناس لتجاوز الفتن وبناء مجتمع قوي ومترابط.

منظور الأديان المختلفة للفتنة

إن الشرائع السماوية الاسلام والمسيحية واليهودية، تشدد باستمرار على ضرورة توخي الحذر من خطر الفتنة وتحث على تجنبها، وتؤكد أهمية الحفاظ على السلام والوئام بين الناس وهو هدف مشترك لكل هذه الشرائع.

لقد ذكر الله سبحانه وتعالى الفتنة في القرآن الكريم في عدة آيات متفرقة، منها قوله: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [سورة البقرة/191] وقوله: {والفتنةُ أكبرُ من القتلِ} [سورة البقرة/217].

وفي التوراة أيضاً ذكرت بمعناها في عدة مواضع مثل: “ولكن الماكرين للشر يكذبون” [سفر أيوب 12: 16]. كما حذر الإنجيل من الفتن التي تحدث قائلاً: “لا تؤمنوا بكل روح، بل ابحثوا الأرواح إن كانوا من الله” [1 يوحنا 4: 1].

لذا، يجب على الجميع أن يكونوا حذرين ويسعون الى درء الفتنة وسبلها، وأن يعملوا على تعزيز التفاهم والتسامح بين الناس، فالتعايش السلمي والاحترام المتبادل هما السبيل الأمثل لتجنب الفتنة ولبناء مجتمع متوازن ومزدهر.

مخاطر الفتنة وسبل مواجهتها

إن مواجهة الفتن هي مسؤولية مجتمعية يجب أن يشترك ويتعاون فيها جميع أجهزة المجتمع والدولة ومؤسساتهما والمرجعيات الدينية والقضائية والوسائل الاعلامية والمؤسسات التربوية والاجتماعية من باب {وتعاونوا على البر والتقوى} وعملاً بضرورة “الإصلاح” لما لها من دور كبير في عملية الوقاية للمجتمع وتحصينه من الفتن والمخططات الخبيثة والدعوات المشبوهة، ويجب الانتباه من مخاطر الفتنة في المجتمع، فقد تؤدي إلى تفكك العلاقات الاجتماعية وزعزعة الاستقرار والوحدة بين الأفراد.

إن المجتمع بكل فئاته مطالب بضرورة العمل على تعزيز التسامح والتعايش السلمي، ونبذ كل أشكال التطرف والتحريض، والوعي بأهمية الحوار والاحترام المتبادل، فهو وسيلة فاعلة لمواجهة خطر الفتنة والإساءة إلى الآخرين.

وإننا ندعو جميع أتباع الأديان إلى التعاون المشترك من أجل بناء مجتمع وعالم مترابط ومتضامن يسوده السلام والتعاون ونشر الوعي حول أهمية تجنب الفتنة وذكر حرمتها الدينية ومخاطرها الاجتماعية والعمل على تعزيز السلام والتسامح بين الناس مهما كانت انتماءاتهم الدينية.

شارك المقال