طرابلس تُحاول استعادة بريقها المسرحي!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تأتِ مقولة: “الدّنيا مسرح كبير، وكلّ الرجال والنّساء، ما هم إلّا لاعبون على هذا المسرح” للكاتب وليم شكسبير، ليقتبسها منه الفنان المصريّ يوسف بك وهبي في فيلمه قائلاً: “ما الدّنيا إلّا مسرح كبير”، عبثاً أو من فراغ، بل تُؤكّد هذه الجملة التي تناقلتها الأجيال إيماناً بخلودها، قدر هذا العمل الفنّي الذي يختصر “الحياة”، وقيمة المسرح التي يُثبت أهالي مدينة طرابلس عاماً بعد عام، تمسّكهم بها، وذلك على الرّغم من الظروف المادّية أولاً، التي تحول دون تقديم الأعمال الفنية التي يستحقّون عرضها، والظروف السياسية ثانياً، التي تدفع بعض السياسيين إلى “بذل الغالي والنفيس” لدعم فرق مسرحية وفنية من خارج المدينة، وإعراضه عن طاقات الطرابلسيين الجديرة بالثقة، وذلك وفق ما يرى الكثير من فناني الشمال.

لا يُخفي بعض الفنانين في طرابلس، أهمّية المسرح وضرورة استمراره، خصوصاً في المدينة التي كانت شهدت قبل الحرب الأهلية نشاطاً مسرحيّاً مميّزاً، بتوقيع مؤسسي هذا الخطّ الذي خرّج ممثلين معروفين في لبنان والعالم العربي، في وقتٍ كانت تستقبل فيه المدينة وتنشر أهمّ الطاقات الفنّية الخارجية، كان أبرزها يعود إلى فرق مسرحية مصرية (مثل فرقة نجيب الريحاني مثلاً)، بحيث يُقال انّها كانت تأخذ في الاعتبار آراء الطرابلسيين في تلك الفترة على المستوى الفنّي، (وذلك بعد عرض عملها على مسرح “الإنجا”، أو مسرح سينما “الأمبير”)، بالقول: “في حال لاقت المسرحية إعجاب الطرابلسيين، فهذا دليل قاطع على نجاحها”.

يُمكن القول، إنّ الظروف المادّية وتغيّر الأولويات في البلاد، انعكس فعلياً على الواقع المسرحيّ شمالاً، فيما لا يغفل القائمون على هذا الميدان في طرابلس، أنّ المسرح كان ولا يزال “مرآة المجتمع” التي تُسهم في تشكيل الوعي والفكر عبر رسم شخصيات نموذجية قد تُشبهه، لذلك تستمرّ فرقة الفنون الشعبية التابعة لجمعية الفنون – محترف عبد الله الحمصي للمسرح، في إعداد المسرحيات الاجتماعية والتربوية وتقديمها، لتوعية الأطفال والكبار، إذْ يُعدّ المخرج، المدرّب، الممثل والكاتب المسرحي توفيق المصري أكثر من مسرحية في العام، لجذب الأجيال الجديدة إلى المسرح.

من هنا، لا يغفل أحد عن الدّور الكبير الذي لعبته مبادرة جمعية “تيرو” للفنون، ومسرح “إسطنبولي” عام 2022، وذلك باستعادتهما دور “أمبير” في المدينة بعد غياب دام ثلاثة عقود، عبر افتتاحها وتحويلها إلى “المسرح الوطني اللبناني”، بينما يُؤكّد مصدر فنّي لـ “لبنان الكبير” أنّ “هذه الأعمال المهمّة والجاذبة للجهات المانحة، تغيب عنها الحركة المسرحية الطرابلسية”.

إلى ذلك، لا يُخفي المصري وهو نجل الفنان الراحل عوني المصري عن “لبنان الكبير” أنّ الطرابلسيين يعشقون المسرح بطبيعتهم، وأنّ استمرار حركة الفنون الشعبية المسرحية في طرابلس، والتي أسّسها الفنان الراحل عبد الله الحمصي المعروف بـ “أسعد” عام 1959، تأتي من باب المحافظة على الفنّ الأصيل والتراث الشمالي، إضافة إلى رغبته في تنمية الحسّ الفنيّ لدى الشباب، “الذين ندرّبهم ونخرّجهم بعمل مسرحيّ يلتزم بخطّ اجتماعيّ وتربويّ، لا بهدف سياسيّ أو تجاريّ، بل إنسانيّ وبرسالة دقيقة تعاهدت منذ العام 2004 مع حمصي على التعاطي بها مع الأطفال لتكون هادفة، وكان قلقاً من هذه المسؤولية التي لا تكمن في إضحاك النّاس فقط، وكنّا نعرض أكثر من 60 عملاً سنوياً، لأنّنا فهمنا الجيل جيّداً”.

ومع قرب عرض مسرحية “الغابة… كمان بيتنا” من تأليفه وإخراجه، على مسرح الرابطة الثقافية مع افتتاح معرض الكتاب، يُشدّد على أنّ المسرح يُثمر المبدعين شمالاً، ومنهم مئات الممثلين والفنانين الذين خرجوا من مسرحنا إلى العالمية، وآخرون شاركوا في أعمال عربية جديدة، “وبسبب قدرتنا على المبادرة، ندرّب الشبان من دون بدلٍ مادّي، لكن إذا أردنا العرض، فلا بدّ لنا من التعاون لجمع المال من الفريق لتقديم العمل…”.

المصري الذي أحبّ الفنّ منذ بلوغه التاسعة من عمره، بحيث شارك في مسلسل “رجال القضاء” عبر “تلفزيون لبنان”، ثمّ عمل في الاذاعة، التلفزيون، المسرح، الدوبلاج والمجلّات المصوّرة، يُؤكّد أنّ “الفنّ اللبناني وعلى رأسه التلفزيون، نشأ على أكتاف الشماليين مثل: عوني المصري، عبد الكريم عمر، عبد المجيد مجذوب، سميرة بارودي، فرقة أبو سليم، والنقابة الفنية الأمّ، أيّ نقابة الفنانين الشماليين في لبنان”، لذلك يُرسل رسالة إلى القيّمين والمعنيين في طرابلس، قائلاً: “المدينة تحتاج إلى مسرح حقيقيّ يُعطي فسحة للشباب لإظهار قدراته من دون أتعاب، وإلى صرح فنّي يُكرّم ويُسجّل باسم الحمصي الذي زرع البسمة وقدّم حياته وإنجازاته ضمن مدينته التي يعشقها وبقي فيها”.

ويختم: “حين يُتوفّى السياسيّ، يُقال السياسي السابق، أمّا الفنان فلا يُمكن أن يكون سابقاً، فمن يعمل في مجاليّ الفنّ والثقافة تبقى ذكراه خالدة إلى يوم القيامة”.

شارك المقال