الجنود في خضم الأزمة… “يبيعون الخردة” و”كهربجية بالسر”

احمد ترو
احمد ترو

خمسة وستون دولاراً تقريباً، هي كل ما يتقاضاه الجندي في الجيش اللبناني نهاية كل شهر، فالأزمة الاقتصادية التي تتصاعد وتيرتها يوماً تلو الآخر، لا تقتصر على فئة أو مجموعة معينة فقط، بل فردت أجنحتها لتطال معظم اللبنانيين بينهم عناصر المؤسسة العسكرية.

فمعاناة جنود هذه المؤسسة أشد وأصعب من معاناة الكثير من اللبنانيين، لأن من ينتسب إلى السلك العسكري لا يحق له أن يمارس مهنة أخرى تساعده على تحصيل لقمة عيشه، ولا سيما أن أغلب عناصر الجيش يخدمون في مراكز بعيدة عن أماكن سكنهم، ولكي يصل الجندي إلى مركز خدمته يحتاج إلى التنقل عبر محطات عدة، الأمر الذي يجعله يقترض مالاً فوق راتبه لكي يؤمن إيجار مواصلاته ومصروف المدة التي سيقضيها في الخدمة.

فكيف للعسكري إذاً أن يضمن مستقبله في ظل هذه الأوضاع؟ وكيف للجندي المعيل أن يبقى صامداً أمامها؟

وتنص أنظمة المؤسسة العسكرية بعدم السماح للجندي بممارسة مهنة أخرى إلى جانب تأديته واجبه الوطني، فهل هو قادر حقاً على الالتزام بمثل هذه الأوامر في ظل الأوضاع المأساوية الحالية؟

لجأت إلى بيع الخردة لكي أتنفس قليلاً…

يقول الجندي في الجيش اللبناني أ.غ لـ”لبنان الكبير”: “راتبي الذي أتقاضاه أدفعه قروضاً بكامله، ثم أعود للاقتراض لأذهب إلى الخدمة، وبكل صراحة لجأت إلى بيع الخردة لكي أتنفس قليلاً، وأنا أعتبرها وظيفة ثانية لي. كيلو الحديد اليوم سعره 6 آلاف ليرة، وفي وقت إجازتي بدلاً من أن أرتاح أذهب للملمة الخردة وبيعها. أهذا هو مصير الجندي الحامي لوطنه أن يجمع الخردة في إجازته ليؤمن قوت يومه؟ المؤسسة العسكرية تمنعنا من مزاولة مهنة أخرى بجانب أداء واجبنا، لكن إذا التزمت أنا وغيري بهذا القرار من أين سنعيش؟. نحن العسكر لا أحد يشعر بنا، نقف على الحاجز تحت أشعة الشمس ست ساعات في النهار، ولا نرى عائلاتنا سوى مرة واحدة في الأسبوع، وعلى الرغم من كل هذا نتقاضى راتبا ينتهي قبل أن يأتي”.

ويضيف: “أنا شاب خاطب، يعني أنا مسؤول عن فتاة، وشقتي ما زالت “على السواد” وبحاجة للاستكمال، والأوضاع الحالية لا تسمح لي بشراء حجر واحد. في نهاية المطاف، خطيبتي ستتركني لأنه لا يمكنها أن تنتظرني إلى ما شاء الله. خليها على الله”.

أم نادر: غداً سيكون أفضل

أم نادر، هي أم لثلاثة جنود في الجيش. حين انتسب أبناؤها إلى السلك العسكري فرحت فرحاً عظيماً، وظنت أن مستقبل أبنائها بات مؤمناً، لكن مع ظهور الأزمة المالية والاقتصادية وتفاقمها يوما بعد يوم، اختفت ملامح الفرح وبان على وجهها الحزن وفقدان الأمل ببناء مستقبل جيد لأولادها.

تقول أم نادر لـ”لبنان الكبير”: “في كل مرة يأتي فيها أحد من أبنائي من الخدمة يقول لي، أريد أن أترك الجيش. لأنه يقترض لكي يذهب إلى الخدمة، وهو غير قادرعلى تأمين أي شيء لمستقبله، لا سيارة ولا بيت، وحتى إذا أراد أن يتسلى ليوم واحد لا يستطيع، لكنني دائما أبشّر أبنائي بأن غدا سيكون أفضل”.

وتضيف: “هذه ليست حال أولادي فقط، بل إن أغلب عناصر الجيش غير قادرين على شراء بيوت لعائلاتهم، وحتى إذا أرادوا أن يسكنوا بالإيجار فهم لا يستطيعون، لأن تجهيز البيت مكلف والأدوات الكهربائية باتت غالية الثمن (البراد، والغسالة، والتلفزيون…)، وراتبهم لا يسمح لهم بشراء هذه الأدوات وغيرها”.

أما الصرخة الأشد قسوة فجاءت من عنصر في الجيش لديه خمسة أطفال، لا يتجاوز كبيرهم الـ20 عاماً. يقول خ.غ لـ”لبنان الكبير”: “أنا مؤهل أول في الجيش ولدي خمسة أطفال، ما يعني أنني مجبر على العمل في أكثر من مهنة إلى جانب عملي في الجيش لكي أبقى صامداً ولا أمد يدي لأي إنسان مهما علا شأنه… الحمد لله أنني أخدم على الدوام ما يمكّنني من ممارسة مهن أخرى. لدي سيارة تاكسي وعندما آتي من الخدمة أعمل عليها، ومهنتي الأساسية كهربائي سيارات وأمارسها بالسرّ أيضاً. من دون كل ذلك لا يمكنني أن أربي خمسة أولاد. أولادي ما زالوا أطفالاً، ولا يوجد أحد ليساندني، فالعبء كله على أكتافي”.

هذه صرخات بعض عناصر الجيش الذين يواجهون بـ”اللحم الحي” الأوضاع الاقتصادية والمالية المزرية السائدة حالياً، فهل من سميع لهذه الصرخات؟ وهل من حريص على صمود المؤسسة العسكرية؟.

شارك المقال