“كار” الخياطة ينبض من جديد… والناس مع “الإصلاح والترقيع”

احمد ترو
احمد ترو

قميص مميز، وسروال من أفخم المتاجر، وأناقة ليس بعدها أناقة، إنها بنية المواطن اللبناني التي اعتدنا أن نراها قبل وصول الأوضاع الاقتصادية إلى قعر “جهنم”. ومع تواصل التدمير الاقتصادي الممنهج للبلد تبدلت الملابس الأنيقة بملابس رثة. فالمواطن الذي اعتاد أن يقصد المتاجر ليشتري ثياباً جديدة، ها هو اليوم يتوجه نحو محلات الخياطة لإصلاح ثيابه القديمة.

إصلاح السروال مرات عدة…

أطاحت الأزمة الاقتصادية الركود الذي لحق بـ”كار الخياطة” طوال سنوات عدة، فعاد ليفرض هيبته على الساحة من جديد، إذ تضاعف إقبال الناس على إصلاح كل ما هو عتيق لديهم. وهذا ما أكده لـ”لبنان الكبير” صاحب محل الخياطة إبراهيم في منطقة الطريق الجديدة، إذ قال: “إزداد إقبال الناس لإصلاح ثيابهم القديمة، لأنهم باتوا غير قادرين على شراء الجديد منها، فسروال أو بنطلون متواضع القماش بات سعره 500 ألف ليرة اليوم أي ما يعادل نصف راتب المواطن اللبناني، فالناس أحوالها تعيسة ورواتبها بالكاد تكفيها ثمن أكلها وشربها”.

ويضيف: “أغلب الناس تأتي لتصليح وإعادة تأهيل ملابسها التي تكون في أغلب الحالات غير صالحة. مثلاً: يأتي شخص بسروال للتلف يريد إصلاحه، ثم يغيب أسبوعاً ويعود بالسروال عينه ليصلحه. حال الناس مبكية… وإصلاح الثياب العتيقة ليس بالأمر السهل بل يحتاج إلى عمل شاق”.

ويستطرد: “المشاهد التي باتت تصدمني، هي أن أشخاصاً أعرفهم كانوا إذا تمزق قميصهم قليلاً يرمونه في القمامة، وباتوا اليوم يأتون لإصلاحه. وفي الكثير من الأحيان يأتي أشخاص، ويطلبون مني تعديل قياس بعض ملابسهم العتيقة لتصبح بمقاس أبنائهم”.

عادت الحياة لـ”الكار”… لكن؟

ويتابع: “بالطبع، حال المهنة اليوم أفضل بكثير من حالها خلال السنوات الماضية. لكن في الوقت عينه، البضاعة غالية الثمن، إذ إن الخيط الذي كان سعره 1500 ليرة لبنانية أصبح سعره 30 ألف ليرة، فضلاً عن ارتفاع أسعار الإبر والخيطان والمقصات التي كنا نشتريها بأبخس الأسعار. في السابق إذا تعطل مقص كنا نرميه، لكن اليوم نصلحه بأغلى من السعر الذي كنا نشتريه به سابقاً. ما زال ربحنا ضئيلاً على الرغم من رفع أسعارنا، لأننا نشتري البضاعة بأسعار مرتفعة جداً، ولم نشعر بأي تحسن مادي على الرغم من عودة الحياة لهذا الكار”.

الخياطون أطاحوا المتاجر…

وعن انعكاس مهنة الخياطة اليوم على متاجر الألبسة، أوضح ربيع: “تضاءل الإقبال على متاجر الألبسة هذه الفترة، وهم باتوا غير قادرين على بيع واستيراد الملابس، لأن مصالحهم تعتمد سعر صرف الدولار في السوق السوداء، لذا تلجأ الناس اليوم إلى الإصلاح والترقيع، ولم تعد تتلف أي قطعة من ملابسها، وتأقلمت مع فكرة إصلاح الملابس بدلاً من شراء الجديد منها… حسب السوق بدك تسوق”.

راتبي لا يتجاوز ثمن قطعة ثياب…

فور انتهاء الحديث مع الخياط إبراهيم، دخل أحد الزبائن يريد أن يصلح سرواله، فسألناه عن السبب، فأجاب: “ليس معي مال… البنطلون عينه أصلحه كل أسبوع. قطعة الثياب التي كان سعرها 40 ألف ليرة، الآن سعرها 600 ألف وراتبي الشهري لا يتجاوز ثمن هذه القطعة. لذا ألجأ إلى إصلاح القطعة بـ10 آلاف ليرة مرة ومرتين وثلاثاً. في هذه الأوقات الصعبة يجب أن نحافظ على ملابسنا جيداً حتى لا تتمزق”.

مسكين المواطن اللبناني، لم يعد بإمكانه شراء بنطلون أو قميص، وحتى ملابس داخلية. فأغلب العائلات اليوم باتت عاجزة عن توفير قوت يومها، والملابس الجديدة صارت بالنسبة لها من الكماليات. فهل هذا الأمر يرضي الإنسانية؟ إنما من المؤكد أنه يرضي رجالات السلطة الذين لا يدركون معنى هذه الكلمة. وهم من جماعة “يقولون ما لا يفعلون”.

خلاصة القول: “الله يعين المواطن، ويعين البلد”…

شارك المقال