توزيع حليب وحفاضات في لبنان… والدولة غائبة!

راما الجراح

“لم بتبق لدي كمية من الحليب كافية لولدي، وقمت بجولة على أغلب صيدليات البقاع الغربي حتى عثرت على علبة واحدة من الحليب، والسيناريو عينه يتكرر معي عندما تشارف العلبة على الانتهاء، لا أعلم إلى أي مدى يمكننا الصمود أمام جوع أولادنا وصراخهم، الوضع مأساوي ولا حلول مرتقبة”.

يختصر حسان بهذه الكلمات رواية جميع اللبنانيين لـ”لبنان الكبير”، مع الانقطاع المستمر لحليب الأطفال من الأسواق، وغضب الأهالي يزداد يوما بعد يوم مع انخفاض قدرتهم على شرائه في حال وُجد في إحدى الصيدليات عن طريق الصدفة، حالة هلع يومية يعيشها اللبنانيون خوفاً على حياة أولادهم.

من هنا أطلق أحد المواطنين البقاعيين في بلاد الاغتراب مبادرة شخصية استطاع من خلالها جمع ما تيسر من المال من اللبنانيين في كندا حيث يعمل الآن، على أن يساهم هذا المبلغ بمساعدة لبنان وأهل البقاع من دون استثناء بتأمين الحليب والحفاضات للأطفال.

مبادرة التوزيع

وفي حديث مع صاحب المبادرة وسيم محيي الدين جراح، يشرح لـ”لبنان الكبير” سبب إطلاقه للمبادرة بأنه “واجب علينا مواساة أهلنا في لبنان والوقوف إلى جانبهم في هذه المحنة الصعبة وخاصة بعدما وصلت الأمور إلى فقدان حليب الأطفال من السوق وفي حال وجوده سعره باهظ جداً، من هنا أطلقت هذه المبادرة الشخصية من دون تحديد اسم لها ولا حتى تخطيط مسبق، لأن ما رأيته وسمعته من أخبار عن حال اللبنانيين أدمى قلبي وأي شخص مكاني قادر على المساعدة لا يمكنه أن يقف مكتوف اليدين”.

ويضيف: “المبادرة تشمل بشكل خاص أهل البقاع وأهل بلدة المرج مسقط رأسي، لكن هذا لا يعني أن المساعدة مقتصرة عليهم، بل هي مفتوحة على كل شخص يمكن أن يسجّل اسمه ضمن اللائحة التي يعدها أشخاص موثوقين في بيروت والبقاع لكل شخص محتاج لتأمين له ما تيسر من الحليب والحفاضات لأولاده”.

أما بالنسبة لأنواع مساعدات الحليب َوالحفاضات فيقول جرّاح: “هناك نوعان من الحليب من عمر صفر إلى ٦ أشهر، والنوع الثاني من ٦ أشهر إلى ١٢ شهرا، ونقوم بتأمينها بالتعاون والتنسيق مع “Rotary Club of Beirut Cedars” حيث نقوم بإرسال كونتينرات من المساعدات إلى لبنان من إحدى الدول الأوروبية وهم يقومون بتسلمها في بيروت ومن ثم عملية التوزيع تتم حسب الداتا الموجودة بين أيديهم بعدما تمت دراستها بشكل دقيق وعادل”.

وعن طريقة التوصيل، يقول: “أولاً نحن نقوم بجمع المال في كندا، ومن ثم هذا المبلغ الذي لا شك يكون كبيرا جداً يتم تحويله إلى دولة أوروبية معينة نستطيع من خلاله تأمين جميع المساعدات التي نسعى إليها، ثم نقوم بشراء حليب من شركة “Danalac” تحديداً، وهم يقومون بتوصيل الحليب عبر كونتينرات إلى لبنان”.

غياب الدولة

ويتأسف على الحال التي وصل إليها لبنان “الدولة غائبة بشكل تام فلا خطط بديلة أو إحتياطية موجودة لديهم لتسيير أمور العباد ومحاولة وضع كل شيء على السكة والمسار الصحيح للحد من فلتان الوضع الأمني والمعيشي، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نطلق مبادرات دائمة لأهلنا في لبنان فهذه ليست الأولى من نوعها لكن نعتبرها الأهم بسبب توقيت الأزمة غير المسبوقة التي تضرب لبنان لبنان وحاجة الناس الكبيرة إليها”، ويؤكد أن “المبادرة هدفها مساعدة الجميع من دون استثناء من أهل قريتي لأن الجوع لا يُفرق بين شخص وآخر، وكل مَن يطلب المساعدة ولا يستطيع شراء حاجاته من الحليب والحفاضات حسب سعر صرف دولار السوق السوداء”.

الأمل سيبقى موجوداً

ويختم الجراح واعداً بالاستمرار “نحن كمغتربين في كندا نشعر بوجع أهلنا في لبنان وحريصون على مساعدتهم أكثر من الطبقة السياسية ككل، وأنا عن نفسي لا اعتبرها مساعدة بل رد جميل لأهل ضيعتي وعائلتي على كل ما قدموه لنا في أول حياتنا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه، وأؤكد للجميع اننا مستمرون في جهودنا هذه كخلية نحل، وسنبقى مواكبين لجميع التطورات وحاجات الناس محاولةً منا لإعطائهم بصيص أمل في آخر هذا النفق الأسود كي لا يستسلموا”.

مثل هذه المبادرات يمكن أن تحل الأزمة لعدد محدد من العائلات اللبنانية لفترة استثنائية لكن لا يمكن اعتبارها حلاً جذرياً، لذا على الدولة أن تتحرك وإلا سيموت أطفالنا من الجوع!

شارك المقال