كرة القدم… جزء مهم من رؤية السعودية 2030

رياض عيتاني
لاعب نادي النصر السعودي كريستيانو رونالدو

إستحوذ صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم بأصول تتجاوز 620 مليار دولار، على أندية الهلال والنصر والاتحاد والأهلي بنسبة 75 في المئة. وبعد استثمارها مئات الملايين من الدولارات في رياضات الغولف، سباقات فورمولا 1، نزالات الملاكمة وشراء نادي نيوكاسل الانكليزي، أطلقت السعودية دوري روشن الكروي بمشاركة 18 نادياً للمرة الأولى، يحق لكل منها إشراك ثمانية لاعبين أجانب في المباراة.

السرّ في الأموال؟

لا شك في أن لعبة المال كانت لها الحصة الأكبر لإبرام الصفقات، فأوروبا عموماً والأندية الكروية خصوصاً تمر بأزمة اقتصادية منذ انتشار فيروس كورونا، الذي تسبّب بخسائر كبيرة، إضافة إلى القيود المشددة في ما يتعلق باللعب المالي النظيف، التي لا تخضع لها أندية السعودية.

من هنا، فإن السعودية استخدمت قوتها الاقتصادية بالصورة الصحيحة والقانونية، وهو حق لها، والأهم أيضاً أنها لا تجبر أي نجم على الانتقال إلى صفوف أحد أنديتها، فكل من يأتي برغبته وإرادته، وبالتالي فهي لم ولن تدمّر كرة القدم، كما يعتقد البعض، بل يجب أن نسأل الأندية الأوروبية: لماذا لم تتحرّكوا لتحافظوا على نجومكم؟

وعلى الرغم من الانتقادات التي طالت خطوة المملكة، إلا أن رئيس الاتحاد الأوروبي ألكسندر تشيفيرين أكد في وقت سابق أنه غير قلق من هذه الصفقات، قائلاً: “في نهاية المسيرة المهنية، يذهب بعض اللاعبين إلى مكان ما لكسب بعض المال”.

لكن غاب عن بال رئيس “يويفا” أمر مهم، وهو أن عدداً من اللاعبين الذين انتقلوا إلى الدوري الأقوى آسيوياً، هم في ربيع عمرهم، وبالتالي درسوا قرارهم جيداً قبل اتخاذ هذه الخطوة الكبيرة والجريئة.

ولا بد من الاعتراف أيضاً أن دوري روشن هو أصلاً الأقوى في الشرق الأوسط من حيث الجودة الفنية والتعاقدات والتحكيم والمتابعة والنقل التلفزيوني والرعاية.

أنظار العالم

وأشارت صحيفة “الرياضية” السعودية في وقت سابق من العام الحالي، وتحديداً منذ انضمام النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو إلى النصر السعودي، إلى أن أكثر من 37 قناة عبر 125 دولة طلبت حقوق بث مباريات الدوري، وهو عدد ارتفع بالتأكيد مع وصول أسماء عالمية أخرى.

وأعلنت قناة “كانال بلوس” الفرنسية أنها تحصّلت على حقوق بثّ مباريات الدوري السعودي، مضيفةً أن الاتفاق سارٍ “للموسمين المقبلين” في فرنسا وإفريقيا، على أن تبثّ مباراتين في الأسبوع عبر هوائها، ما يعني أن الاهتمام بالدوري ليس من اللاعبين وحسب، بل أيضاً وسائل الاعلام، التي تثق وتدرك تماماً أن الخطوة السعودية مدروسة وذكية. 

السعودية بدأت تجني ثمار خطتها

عملياً، بدأ التهديد الأكبر لأوروبا على الصعيد الكروي، خصوصاً بعدما اقتحم دوري روشن قائمة أفضل عشر دوريات في العالم. وبحسب موقع “ترانسفر ماركت” الشهير، بات الدوري الخليجي في المركز العاشر عالمياً بقيمة سوقية تبلغ 924 مليون يورو، وهو رقم قابل للارتفاع.

ويتصدّر الدوري الانكليزي القائمة بـ10 مليارات يورو، يليه كل من الاسباني والايطالي والألماني بـ4 مليارات يورو لكل منها، ثم الفرنسي (3)، فالأميركي والبرتغالي والتركي والبرازيلي بمليار واحد لكل منها.

وإذا أرادت أوروبا تدارك الموقف، فعليها التحرّك سريعاً بدءاً من الاتحادات الوطنية والأندية والروابط، وصولاً إلى اللاعبين أيضاً، من خلال وضع خطة شاملة، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل لتنفيذه على أرض الواقع.

خطة طويلة الأمد

إلا أن هذا الأمر قد لا ينجح أيضاً، بعد التصريح الذي أطلقه رئيس عمليات الدوري السعودي كارلو نهرا، حين قال: “يحظى المشروع السعودي بالتزام قوي من المسؤولين في البلاد، بهدف أن يصبح من أفضل الدوريات العالمية”.

أضاف: “لا نتوقع حدوث هذا الشيئ بين ليلة وضحاها. ليس حدثاً في نهاية أسبوع، بل هو مشروع طويل الأمد والجميع يتقبل هذا الأمر. يجب أن نقوم بكل الأشياء الصحيحة لتحقيق الأهداف المطلوبة”.

ماذا تستفيد السعودية من ضخّ هذه الأموال؟

نقلةٌ نوعية وثورة كروية وسياحية يقودها رونالدو وغيره، من جذب السياحِ وتوسيعِ نسبة المشاهدة للدوري السعودي حول العالم، مروراً بالترويج لاستضافة نهائيات كأس العالم، وصولاً إلى تطوير مستوى كرة القدم محلياً، وبالتالي زيادة اهتمام اللاعبين الأوروبيين الكبار للعب في المملكة.

ومن الأهداف المهمة أيضاً، “تقديم الترفيه للسعوديين من خلال كرة القدم”.

ويعتقد رونالدو أن الدوري السعودي “سيكون بين أفضل 5 دوريات في العالم، لكنه بحاجة الى الوقت، اللاعبين والبنية التحتية”، مضيفاً: “دوري روشن يتحسّن، العام المقبل سيكون أفضل بعد، خطوة بخطوة”.

وتابع في تصريح تلفزيوني: “أعتقد أن هذا البلد يملك إمكانات مذهلة وشعباً رائعاً والدوري سيكون رائعاً برأيي”.

في المقابل، تثير الرغبة السعودية مخاوف كبار المدربين في أوروبا، إذ قال المدير الفني الاسباني لمانشستر سيتي بيب غوارديولا إن الدوري السعودي “غيّر السوق تماماً”، متوقعاً انتقال “المزيد والمزيد من اللاعبين”. بينما أعرب نظيره في ليفربول الألماني يورغن كلوب عن قلقه من الاغلاق المتأخر لنافذة الانتقالات الصيفية في السعودية، مقراً بأنّ تأثيرها بات “ضخماً”، مناشداً السلطات الكروية ايجاد حل له.

تجد السعودية نفسها أمام تحدٍ على المستويات كافة: تطوير البنى التحتية للأندية، تعيين مديرين رياضيين واحترام عقود اللاعبين ومستحقاتهم، وذلك لتجنّب فرض عقوبات على أندية سعودية من الاتحاد الدولي.

اختبار حقيقي ينتظر السعودية، لكن كل المؤشرات تشير إلى أنها تسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهدافها ضمن “رؤية المملكة 2030”.

شارك المقال