حكاية فريق ظلمته الحرب اللبنانية

رياض عيتاني

قضت الحرب الأهلية اللبنانية على آمال جيل كامل من اللبنانيين وطموحاته، في حقبة كانت تعج بالمواهب والخامات في مختلف الميادين الثقافية والفنية والرياضية. والأسماء كثيرة في هذا السياق، ولا مجال لسرد، ولو جزء يسير منها في هذه العجالة، بالنظر إلى كثافتها وتنوعها.

كرة القدم تشظت بفعل الحرب، ونالت نصيبها من شرورها، وتضررت أكثر من غيرها من الألعاب، نظراً إلى سنواتها المزدهرة مطلع السبعينيات، والتي كانت تؤسس لعصر مشرق من الانجازات، قبل أن تعصر الحرب زهرة شباب عدد كبير من اللاعبين المميزين أمثال حسن شاتيلا ومحمد حاطوم وحسن عبود (النجمة) ومحمد الأسطة وابراهيم الدهيني وعدنان بليق (الأنصار) وغسان أبو دياب (الصفاء) وإميل رستم (الحكمة) وطوني جريج (الراسينغ) وبلال وواصف الصوفي وأحمد ووليد قمر الدين (الرياضة والأدب).

أما على صعيد الفرق، فيبرز فريق الأنصار، كأحد أبرز ضحايا الحرب إذ انه امتلك خلالها تشكيلة مرعبة يؤكد المراقبون أن البطولات الرسمية لو أقيمت في حينه، لكان حصد معظمها.

وضمت تشكيلة الفريق الذهبي للأنصار أسماء أسهمت في القفزة النوعية للفريق، الذي صار رقماً صعباً للكرة اللبنانية منذ مطلع السبعينيات، حين بدأ يسير في خط تصاعدي حتى آخر موسم رسمي ما قبل الحرب حين انتزع مركز الوصيف خلف النجمة (1974 – 1975).

ومن الأسماء التي لمعت في تلك الفترة محمد الأسطة والحارس عبد الرحمن شبارو وابراهيم عزو وعدنان الحاج والمصري عبد العزيز حسن وخالد الحاج شحادة وأحمد فستق وراشد دوغان وعاطف الساحلي.

وأكد الأنصار حينئذ ريادته، من خلال حصده معظم ألقاب الدورات الودية التي كانت تقام بغياب النشاط الرسمي، فضلاً عن نتائجه الخارجية البارزة، كفوزه على فريق باستيا الفرنسي في 1981، بعد عامين فقط من خوض الأخير نهائي كأس الاتحاد الأوروبي أمام أيندهوفن الهولندي.

وجاء فوز الأنصار في عقر دار الفريق الفرنسي بنتيجة 2 – 1، في إحدى أبرز نتائج الكرة اللبنانية. وسبق هذه المباراة فوز الأنصار على الهلال السعودي 2 – 1 أيضاً في الرياض عام 1979.

وبلغت تشكيلة الأنصار الذهبية قمة مستواها مطلع الثمانينيات، بإشراف المدرب القدير عدنان الشرقي، بوجود المهاجم التاريخي يوسف الغول، الذي قاد الأنصار إلى الفوز على النجمة في القمة التقليدية المشهودة، التي استضافها ملعب الصفاء، قبل أشهر قليلة من الاجتياح الاسرائيلي، وانتهت بفوز الأنصار 2 – 0.

وتعزز أداء الأنصار مع بزوغ نجم أسماء رائعة كالحراس جهاد محجوب ووليد علوش ومحمد الشريف، وقلب الدفاع السوري الراحل هيثم شحادة وساعد الدفاع المكوكي حسين فرحات و”المدفعجي” ناصر بختي والمتألق محمد العرجة والجناح الرهيب عدنان بليق، و”الثعلب” ابراهيم الدهيني الذي اختير ضمن منتخب العرب الذي واجه شباب هولندا في الدوحة عام 1984 (4 – 0)، بالإضافة إلى حمادي لوباني ولاعب الوسط الشاب حينئذ عمر ادلبي وشقيقه محمد والراحل عصام عيتاني والجناح الأيسر ديب عيتاني وأمين الجمل وعلي بيطار وغيرهم.

وساهمت جهود الشرقي في الحفاظ على جاهزية هذه المجموعة الرائعة وحضورها، من خلال تنقله مع اللاعبين في مختلف المناطق هرباً من الحرب، بحثاً عن مكان آمن، وتفادياً لحمم القذائف والصواريخ التي كانت تدك ملعب بيروت البلدي، معقل الأنصار حينذاك.

وفي هذه الأجواء المحمومة طار الأنصار عام 1983 إلى الأردن حيث شارك في الدورة التي نظمها نادي الوحدات، بمشاركة صلاح الدين العراقي والصفاقسي بطل تونس والوحدات المضيف. وفاجأ الأنصار المتابعين هناك، بتعادله مع الفريق العراقي (1 – 1)، ووقع على هدف الأنصار عمر ادلبي (69). كما تعادل مع الوحدات المضيف بالنتيجة عينها، وسجل للأنصار يوسف الغول (24). وفي المباراة الأخيرة تقدم الأنصار على الصفاقسي، بهدف لعدنان بليق (12)، قبل أن ينسحب لاحتساب الحكم ضربة جزاء ظالمة ضده في الدقيقة الأخيرة من المباراة. وفي هذه الدورة تعرض مدافع الأنصار عصام قبيسي لكسر في ساقه أبعده فترة طويلة عن الملاعب.

وما بناه الأنصار في خضم أيام الحرب السوداء، ساهم إلى حد كبير في التأسيس لفترة قطف الثمار، في أول دوري أقيم بعد الحرب موسم 1987 1988، حين انتزع الأنصار لقباً أولاً في سلسلة بطولات بلغت 11 دورياً متوالياً أدخل “الأخضر” موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية على يد المدرب الشرقي، وبجيل لا يقل شأناً عن سابقه، لمع فيه نجم هداف الهدافين فادي علوش و”الغزال الأسمر” جمال طه وأحمد فرحات وعصام قبيسي و”المايسترو” عمر ادلبي و”النفاثة” عبد الفتاح شهاب والشهيد نور الجمل والحارس التاريخي محمد الشريف والجناح السريع محمد مسلماني وغيرهم، فضلاً عن نخبة من اللاعبين الأجانب أمثال دايفيد ناكيد وبيتر بروسبار وليث حسين وموري ابراهيم وغيرهم.

شارك المقال