“أبو طالب” يلتحق بالشرقي ليزداد “الأنصار” يتماً

زياد سامي عيتاني

عندما توفي الكابتن الحاج عدنان الشرقي، شعرنا أن رفيق دربه الكابتن محمود برجاوي “أبو طالب” قد خسر نصفه، على الرغم من أنه كعادته، كان يحاول التغلب على الفاجعة التي أصابته وأصابتنا، بإطلاق طرفة من هنا، ودعابة من هناك، ليخبئ آلامه على إنسلاخ توأمه عن حياته، التي كان يملؤها علماً ومعرفة وثقافة رياضية، تحولت إلى شراكة كروية بينهما على مدى عقود من الزمن، توليا خلالها الانتقال والارتقاء بنادي “الأنصار” من نادٍ محلي إلى مصاف الأندية العربية والآسيوية المرموقة والمتقدمة.

لكن مهما حاول الانسان إخفاء آلامه وأوجاعه، أو التحايل عليها، فإن الجرح العميق المستمر بنزف الأسى والحزن الشديدين على الفراق، أقوى من كل محاولات إخفائه. فإذا بالكابتن “أبو طالب” شيئاً فشيئاً، تتراجع صحته البدنية، وجسده ينحل نحولاً سريعاً، كأنه يؤشر الى أنه لم يعد يستطيع مقاومة الفراق والانفصال والانقطاع، ولا بد من من الالتحاق بمن إفتقده، ليعود إكتمال الجسد بالروح، من دون أن يتمكن أحد من أن يكتشف يوماً من هو الروح ومن هو الجسد.

اليوم، وبنفس راضية مرضية، مؤمنة ومسلمة بقضاء الله، إلتحق “أبو طالب” برفيق دربه الطويل، واضعاً حداً لآلام الفراق، ليفتح في قلوبنا ونفوسنا جرحاً جديداً على غيابه، يضاف إلى جرح غياب الشرقي الذي لم يلتئم بعد. لن أتحدث عن أبو طالب “المختار” المقدام الخدوم لأبناء منطقته الطريق الجديدة، حيث إستحق عن جدارة لقب “زعيم محلته”، ولن أتحدث عن مسيرته الكروية كلاعب إستثنائي ومميز، وكرئيس لنادي التضامن – بيروت، ولا عن صوته الطربي “الكلثومي” الذي كانت تطرب له الآذان خلال السهرات التي كان يجمع فيها الأصدقاء والأحبة، ولا عن خفة ظله وروحه المرحة وأسلوبه في التفاعل مع كل ما يواجهه بطريقة مرحة وساخرة، فكل هذه الصفات والميزات يعرفها كل من عرفه أو سمع عنه، بل انها طبعت شخصيته الفكاهية المحببة، إنما سأتحدث عن التوأمة اللصيقة كروياً و”أنصارياً” بين الراحلين عدنان الشرقي و”أبو طالب”، التي عايشتها بكل فخر وإعتزاز من موقعي الاداري المتواضع سابقاً في نادي “الأنصار” الرياضي.

هذه التوأمة شبيهة إلى حد كبير بـ”الأخوين رحباني”، عندما لم يكن أحد يعلم من يكتب أو يلحن هذا المقطع الغنائي أو ذاك. وهذا ما ينطبق مجازياً على الشرقي و”أبو طالب”، فلكل منهما خصائصه وألمعيته الفذة في الابتكار والاستشراف والتخطيط والتنفيذ في بناء فريق، لتلبية الطموحات والتطلعات، فإذا به يحصد الألقاب والبطولات، وينتزع الاعجاب والانبهار. هذا ما يدفعني الى التأكيد جازماً، والله على ما أقول شهيد، أن طوال معايشتي لـ”الأنصار” مشجعاً وإدارياً، لم يكن أحد على الاطلاق يتدخل في العمل الفني للكابتن المرحوم عدنان الشرقي سوى المرحوم الكابتن “أبو طالب”، لا الرئيس ولا أعضاء الادارة قط. وفي المقابل، لم يكن الشرقي يستمع الى الأمور الفنية سوى من “أبو طالب” حصراً، دون غيره على الاطلاق، حتى شكلا ثنائياً يكملان بعضهما بعضاً، كـ”توليفة”، فصنعا معاً أمجاد “الأنصار” وعلوه وتاريخه المشرف، الذي كتبت صفحاته بمداد مذهب وعرق الجبين.

اليوم يغادرنا الكابتن محمود برجاوي “أبو طالب”، ليزداد الفراغ المدوي في نادي “الأنصار” الرياضي من رموزه التاريخيين، بعدما قاد بوفاء وتفان مسيرته المظفرة، ليزداد النادي يتماً! نوصيك يا “أبو طالب” أن تدعو أنت وعدنان الشرقي من عليائكما بأن يحمي الله “الأنصار” وأن يحفظه.


*عضو مجلس الأمناء الأسبق في نادي “الأنصار” الرياضي

شارك المقال