عكار منسية… وجميلة

رائد شرف الدين

عكار هي نبض الشمال الصامت. هي الشريان الذي ينزف دمًا في كل يوم ليقدّم شهيدًا من أبنائه على مذبح الوطن. هي الأم التي تضم أولادها بين أحضانها بعيدًا عن ضوضاء الحياة وهمومها لتمنحهم الراحة والسلام. وهي تمتد من نهر البارد إلى النهر الكبير في منطقة العريضة الذي يفصِل بين الحدود اللبنانية والسورية .

لا أعرف من أين أبدأ؟ أمن جبالها الخضراء؟ أم من سهولها الخصبة؟ أم من فيض أنهارها العذبة؟

في الحقيقة إن الكلمات لتعجز عن التّعبير، فعندما أتوجه صعودًا أقع في حيرةٍ عن أي منطقةٍ سأخبركم. فعلى كتف جبال عكار، وتحديدًا في منطقة القموعة، هناك غابة مليئة بأشجار العذر النادرة التي لا تتواجد إلا في جبال عكار الأبية حيث يصل طولها إلى ثلاثين متراً. والعذر هو أضخم أنواع شجر السنديان.

وإذا واصلنا المسير تصادفك قلعة عروبة التي تتربع كعروس على سفح الجبل. وعلى الكتف الآخر وتحديدًا في منطقة عكار العتيقة تجد قلعة آل سيفا، التي تعود للأمير يوسف باشا سيفا، الذي سكن عكار قديمًا لرد غارات الصليبيين. وآل سيفا قديمًا هم حاليًا يتفرّعون إلى عائلات حديثة معروفة الآن بآل الأسعد والإسبر والعوض.

كما تشتهر عكار العتيقة بمسجد البلدة، الذي جدد بناءه قديمًا قائد المماليك، والسّراي القديمة والمنزول الذي يحضن الزائرين. ولا ننسى شلال القرية الغزير الذي يستخدم للريّ، ويبهر بجماله وعذوبة مياهه.

إن منطقتنا واسعة وغنية فلكل قريةٍ ما تتميّز به عن الأخرى، من مغاور وغابات وقلاع وبيوت حجرية قديمة العهد تمتزج فيها الحضارات من آثار فينيقية ورومانية… حقًّا، إنّ جمال الخالق يكمن في هذه المناطق التي أصبحت مقصدًا للسّياح .

ولم يغب عن ذهننا أن نذكر سهولها الخصبة المليئة بأشجار الحمضيات، ومختلف المنتجات الزراعية الّتي تغذّي لبنان والجوار العربي .

وفي وسط هذه المنطقة تتربع بلدة تُسمى “برقايل” التي تقع على سفح جبلي مطل على البحر، تنتشر فيها أشجار الزيتون واللّوز على سفوح الهضاب والمرتفعات مُشَكلةً آية من الجمال والأناقة لا مثيل لها. كما تشتهر هذه القرية بسراي كبير كان له شأن سياسي منذ القِدَم، وبجوار السراي قصر عبود بيك، وتضم العديد من الينابيع العذبة وغابة الصنوبر التي أغنت هذه المنطقة جمالاً فوق جمالها.

ناهيك عن كل ما ذكرناه، فإنّ أبناء هذه القرية قد أبدعت أياديهم بإختراعات متعددة، أبرزها اختراع طائرة موجودة الآن على مدخل القرية.

وبقدر ما تشتهر عكار بقلاعها وجبالها وسهولها، فهي تشتهر بالتنوع الواسع في مطبخها، الذي يختلف باختلاف مكوناته وناسه وقراهم. فلا طائفية في الطعام، ولا عقيدة سوى الطعم والنكهة التي تنبعث من المكدوس، إلى الكشك، إلى كبة الراهب، ورشتة العدس، وإلى أنواع الهندباء التي تنبت من أراضينا دون زرعها .

وأخيرًا مهما تحدثنا عن عكار فإننا مقصّرون بحقها. فكلمة عكار تجمع بين حروفها أجمل المعاني، فالعين هي عيون فاضت بمياه عذبة نقية، والكاف هو كرم أبنائها المتأصّل في جذورهم سواء كان فقيرًا أم غنيًا، والألف هو ألفة ومحبة وتسامح ويد واحدة في السراء والضراء، وأخيرًا حرف الراء هو روح واحدة طاهرة لا تفرقها الفتن وتجمعهم نوائب الدهر .

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً