مفاوضات الحدود البحرية… بداية تطبيع أم رهان على الوقت؟

مروة علي
مروة علي

في الوقت الذي يواجه فيه لبنان انهياراً داخلياً في اقتصاده وحكومته، فإنه يخوض كذلك نزاعاً بحرياً مصيرياً على حدوده الجنوبية مع إسرائيل، التي استغلت خطأ لبنان في ترسيم حدوده البحرية وتحديد منطقته الاقتصادية منذ انضمامه لاتفاقية قانون البحار… وما بين الترسيم غير الدقيق، الذي جاء بعدة أرقام غير متطابقة، وبين التباطؤ وعدم النظر بجدية وحزم لمثل هذا الأمر من الجانب اللبناني، فإن العدو مضى بترسيم حدوده البحرية متجاوزاً على بحر لبنان بمساحة 2290 كيلومتراً ومعتمداً على الترسيم الأولي للبنان وبدأ في خطط التنقيب فعلياً عن النفط والغاز.

هنا ثار النزاع ودخلت واشنطن على الخط من باب الوساطة والتفاوض. وأخذ القرار سنوات طويلة لجلوس لبنان فقط على طاولة التفاوض وكانت بداية التفاوض على مساحة 860 كيلومتراً، واقترح الموفد الأميركي المختص أن يتم تقاسم هذه المنطقة، ليتبين لاحقاً ووفقاً لدراسة مستفيضة من الجيش اللبناني ومختصين في هذا الجانب إن المساحة هي 2290 كيلومتراً وهذا الجزء من المتوقع إنه يضم كميات كبيرة من الثروات البترولية.

المرسوم 6433 عقدة المنشار

هذا المرسوم (6433) الذي حدد فيه لبنان حقوقه البحرية وفقاً للدراسات الأولية التي أجراها مسبقاً، أصبح الذريعة الكبرى التي اعتمدتها إسرائيل في المفاوضات ورفضت المعطيات الجديدة في هذا الملف ووصل التفاوض إلى طريق مسدود… فتعالت الأصوات الوطنية بتعديل هذا المرسوم وفقا للأرقام النهائية التي توصل إليها الجيش اللبناني في دراسته. وبالفعل تم تعديل المرسوم باقتراحٍ من رئيس الوزراء والجهات ذات العلاقة، ووصل إلى أبواب القصر الجمهوري وتوقف التوقيع عليه لأسباب غير منطقية وكعقدة في مسار تحقيق العدل والحفاظ على حدود الدولة وصيانة حقوق مواطنيها… إن إقرار تعديل المرسوم، وإيداعه الأمم المتحدة مع إحداثياته، يوقف التنقيب تلقائياً باعتبارها منطقة متنازعاً عليها دولياً… فهو ضرورة وطنية محقة وجب التعامل معها بجدية وحزم.

ولكن منذ بدأ النزاع لم تلجأ الدولة اللبنانية أصلاً للشكوى أمام الأمم المتحدة، خوفاً من أن تحسب هذه الخطوة اعترافاً منها بشرعية إسرائيل كدولة، علاوة على تأريخ حافل من الحروب مع هذا العدو فما الذي استجد وغير المواقف؟

بالرجوع إلى التأريخ قليلاً نلاحظ أن أميركا لا تفاوض في الأمور المتعلقة بإسرائيل، بل تفرض الأمر الواقع وتحرك أساطيلها من أجل هذا الكيان الغاصب. وكلنا يعلم ما إن يجلس طرف بمقابل إسرائيل فهذا يعني أنه الحلقة الأضعف وما إن يدخل بالتفاوض فهذا يدل إلى قبوله الضمني بالتنازلات… ثم إن لبنان ومنذ البداية يعلم أن التفاوض كان مبنياً على تقاسم 860 كيلومتراً وقبل التفاوض، ليأتي بعدها بزيادة المطالبة بمساحة إضافية. فهل هذا تخبط أو أن لبنان ماضٍ إلى التنازل عن حقوقه بطريقة لا تفاجئ اللبنانيين فيها والتطبيع مع إسرائيل خاصة مع الوضع المتدهور الذي يعيشه والعقوبات المفروضة على بعض كتله السياسية؟ أم أنها مراهنة على الوقت كما يراهن عليه العدو الذي التزم الصمت، منتظراً وصول باخرة التنقيب من سنغافورة في حزيران المقبل، لتصبح الدولة اللبنانية أمام الأمر الواقع ولم يعد بمقدورها التقدم بأي شكوى أمام الأمم المتحدة.

في الحقيقة، إن الوقت يقف ضد لبنان في هذا التأخر في البت بكل الإجراءات، خصوصاً في إقرار تعديل المرسوم. فأما إنه يريد التسليم لهذا الأمر الواقع وتسويف الوقت ضده؟ أو أننا ننتظر مواقف وطنية تقلب المعطيات وتؤكد أن لبنان لن يتنازل عن شبرٍ من أرضه؟

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً