الشرق الأوسط: أميركا تنسحب والصين ترمي شباكها

حسناء بو حرفوش

في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الأميركية للتخفيف من وجودها العسكري والانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، تزداد التساؤلات حول الدور الذي تطمح الصين للعبه في المنطقة. في هذا السياق، ركز موقع “ريزو انترناسيونال” (reseauinternational) الفرنسي على “نية بكين نشر شبكتها في الشرق الأوسط مع مغادرة القوات الأميركية. فهل تحلّ مكان الولايات المتحدة التي لا تزال مهيمنة عسكرياً في المنطقة؟ لقد اختارت الصين الاقتصاد وشراكات قوية مع بعض الدول الاستراتيجية لبناء طرق الحرير الجديدة. وتظهر الخريطة التالية التي تحمل عنوان “الصين في الشرق الأوسط: قزم عسكري ولكن عملاق اقتصادي”، هذا التحليل.

وتراقب الصين بانتباه، انسحاب واشنطن العسكري التدريجي الذي بدأ بالفعل. فبإلاضافة إلى إعادة جميع جنودها العسكريين من أفغانستان قبل 11 أيلول 2021، قامت الولايات المتحدة بسحب بطارياتها ودرعها المضادة للصواريخ من المملكة العربية السعودية في أوائل حزيران، بحسب ما أكدت إدارة بايدن.

وفي الوقت الحالي، نجحت واشنطن إلى حد كبير باحتواء التهديد العسكري الصيني، لذلك لا يزال هذا الاستبدال بعيد المنال، حيث ستحتفظ الولايات المتحدة بالفعل بالعديد من المنشآت العسكرية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت، إلخ. ولا تكفي القوة العسكرية الإقليمية للصين لمنافسة الولايات المتحدة في هذا المجال، حيث تقتصر القوة الصينية حالياً على قاعدة في جيبوتي (النجمة الحمراء في الخريطة أعلاه).

ومن ناحية أخرى، تعمل بكين على ترسيخ هيمنتها الإقليمية من خلال التبادلات الاقتصادية والاستثمارات، ما يتيح لها على وجه الخصوص بناء طرق الحرير الجديدة. وتظهر الخريطة الوجود الأميركي والصيني المتميز للغاية في الشرق الأوسط.

وشكلت هذه الهيمنة مركز الاهتمام في الدراسات الجيوسياسية، فنظم مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط (carnegieendowment)، على سبيل المثال، سلسلة من النقاشات مع خبراء ومختصين بالتغيرات في المنطقة، حول الدور الصيني المتغير. وكرس المركز عدداً من حلقات النقاش للدور الصيني في ظل غياب أي بوادر لتراجع الصراع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط (…) وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن يحاول استعادة الاتساق في نهج الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، إلا أن إدارته تنشغل بالتركيز على الاستجابة للوباء محلياً ومواجهة الصين على الساحة الدولية. وتترجم رغبة بكين بلعب دور أكبر في شؤون الشرق الأوسط، عبر محاولات تعزيزها العلاقات مع دول المنطقة من خلال مبادرة “الحزام والطريق” وتأمين اتفاقيات التعاون، مثل صفقة الاستثمار لمدة خمسة وعشرين عامًا مع إيران. ولن يؤثر نفوذ الصين المتنامي على مصالح الولايات المتحدة فحسب وإنما على الجهات الفاعلة الأخرى أيضاً.

الشرق الأوسط: سوق ناشئ لصادرات الأسلحة الصينية

وفي سياق متصل، نشر موقع “ذا ديبلومات” (thediplomat) الأميركي مقالاً يلقي الضوء على التنامي المطرد للدور الصيني في الشرق الأوسط على الرغم من أن الصين لا تزال لاعباً هامشياً في سوق الأسلحة في المنطقة. ولحظ المقال النمو المطرد والملحوظ في تجارة الأسلحة بين الصين ودول الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.

ومع العلم أن هذا الاتجاه ليس بجديد، إلا أن المنعطف الذي تحدث فيه مثل هذه الأنشطة مثير للاهتمام. فقد بقيت الولايات المتحدة لفترة طويلة، أكبر مورد للأسلحة لعملاء في المنطقة (…) إلى جانب ذلك، حصل مصدرو الأسلحة الأوروبيون (بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا) أيضًا على حصة كبيرة من أسواق الدفاع في الشرق الأوسط. ومع ذلك، من المرجح أن يشهد هذا الاتجاه طويل الأمد تحولاً في المستقبل القريب، مع دخول الصين التدريجي كلاعب في تجارة الأسلحة في الشرق الأوسط. وعلى مدار العقد الماضي، توفرت أدلة كافية تبرهن أن بكين تعمل بلا هوادة للاستفادة من أسواق الدفاع المربحة في هذه المنطقة، حيث تتداول في قطاعات الأمن العسكري منذ الثمانينيات والتسعينيات.

وبينما ينصب تركيز الصين الرئيسي على إبرام صفقات استثمارية اقتصادية كبرى تحت عنوان مبادرة الحزام والطريق، ولا سيما مشاريع البنية التحتية والاتصال، لاحظت بكين أسواق الدفاع المربحة في الشرق الأوسط، مدفوعة بالتطورات الجيوسياسية في المنطقة والتردد السياسي الأميركي.

وتجد بكين ضمن هذا النطاق، الفرصة المواتية لتعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع بعض دول الشرق الأوسط (خصوصاً دول الخليج) وستظهر تجارة الأسلحة كبعد مهم في حالات قليلة. كما ستسعى الصين لإخراج علاقاتها من الإطار التقليدي وجعلها أكثر شمولاً مع دول الخليج على الأرجح من خلال التركيز أكثر على نقل التكنولوجيا المتبادلة، بالإضافة إلى الاستثمار في بيع ما يمكن للصين أن تقدمه للعملاء الإقليميين من عناصرها الدفاعية المصممة والمصنعة محليًا.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت الصين تتوخى الحذر في خطواتها المحسوبة في تعاملاتها مع معظم دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط والموجودة جيوستراتيجيا. وأمّن الكشف عن وثيقة السياسة العربية للصين في كانون الثاني 2016، قبل أسبوع واحد فقط من زيارة الرئيس شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية ومصر وإيران، مزيداً من الوضوح حول استراتيجية الصين تجاه المنطقة. والجدير بالذكر أن الوثيقة السياسية المذكورة تختصر أهداف الصين الشاملة في المنطقة بتحقيق التعاون المربح للجانبين والتنمية المشتركة والسعي لتأمين مستقبل أفضل للعلاقات التعاونية والاستراتيجية الصينية العربية”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً