إقتحام مستشفى “الشفاء”… فشل مخابراتي ونصر وهمي (٢)

زياد سامي عيتاني

إقرأ الجزء الأول: إقتحام مستشفى “الشفاء”… فشل مخابراتي ونصر وهمي (۱)

منذ بدء حرب الابادة التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، وهو يستهدف قصف كل المؤسسات المدنية والبنى التحتية، مركزاً بصورة أساسية على المستشفيات، بطريقة غير مسبوقة، متجاوزاً في ذلك الخطوط الحمر والقيم الانسانية والقوانين الدولية. فالمستشفيات ومحيطها، وفقاً للقوانين الدولية، تعتبر ملاجئ انسانية آمنة في أوقات النزاع، ويفترض أن تتمتع بالحماية وأن لا تتعرض للضرب وحماية المدنيين اللاجئين اليها.

إن القطاع الصحي في غزة أصبح هدفاً واضحاً لاستهدافه منذ بداية الحرب، بحيث جعله الاحتلال هدفاً استراتيجياً بذريعة وجود رهائن داخل المستشفيات وأنفاق تابعة لحركتي “حماس” و”الجهاد الاسلامي”.

وفي هذا السياق، كان لافتاً في الآونة الأخيرة التركيز على مستشفى “الشفاء” الذي تعرض للقصف المباشر والمتعمد تباعاً، ثم محاصرته على مدى ثمانية أيام، قبل إقتحامه. وسبب ذلك يعود إلى سعي رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الى تحقيق أي إنجاز إستراتيجي في حربه المفتوحة على غزة، بعدما عجز على مدى أربعين يومياً عن تحقيق أي هدف من الأهداف التي حددها بعد عملية السابع من تشرين الأول، التي ألحقت بجيشه ومخابراته هزيمة ساحقة وبموقعه السياسي أزمة من المستحيل أن يتفلت منها. وعليه، جعل من مستشفى “الشفاء” هدفاً إستراتيجياً، بعدما زودته مخابراته بمعلومات عن أنه منطلق رئيس للأنفاق، ومقر قيادي لـ “حماس” و”الجهاد”، ومكان لاحتجاز الأسرى. وهذا ما دفعه بعد اجتماعات مع القادة العسكريين، الى وضع الخطط العملانية لإحداث توغل محدود وجزئي داخل غزة، وصولاً الى المستشفى، ما سيجعله يحقق إنتصاراً عسكرياً، من خلال تحرير الأسرى، والقبض على قادة المقاومة المحاصرين داخله، فضلاً عن إكتشاف خريطة الأنفاق، وبالتالي يحقق جملة أهداف إستراتيجية في عملية واحدة، من شأنها ترميم صورته السياسية، وكذلك جيشه المهزوز، الذي تلقى الضربة الأقسى في تاريخ الصراع. لكن الوقائع بعد إقتحام المستشفى دحضت كل المزاعم المخابراتية، ليتبين خلوه منها بعد خطط الهجوم عليه.

عملياً، تعتبر عملية اقتحام مستشفى “الشفاء” فشلاً إستخباراتياً كبيراً لدولة الاحتلال التي تتغنى بتقدمها الاستخباراتي طيلة عقود. ويتجلى هذا الفشل في عدم وجود أدلة تقدمها الى الرأي العام والمجتمع الدولي حول ادعاءات ما كانت تنسبه الى المستشفيات، لا سيما وأن عواصم غربية مثل واشنطن وبرلين ورئاسة الاتحاد الأوروبي تبنت الرواية الاسرائيلية.

كذلك، يؤكد الخبراء العسكريون أن اقتحام جيش الاحتلال الاسرائيلي لـ”مجمع الشفاء الطبي” لا يعني انتصاراً للقوات الاسرائيلية، بل يثبت مرة جديدة التراجع الكبير لمخابراتها، وخيبة الأمل لجيشها، والفشل الإضافي لنتنياهو، الأمر الذي سيدفع دولاً حليفة وصديقة للاحتلال الاسرائيلي إلى التراجع عن دعمها المعلن له، وذلك بسبب الضغوط والحرج الدولي الناجم عن مجازره، ما سيزيد من صعوبة وضعه الداخلي، الذي سينعكس مزيداً من التخبط في صفوف جيشه، وسيدفعه الى ارتكاب المزيد من المجازر الدموية والتدميرية في القطاع.

شارك المقال