أهمية زيارة بوتين الخليجية (١) تعزيز دور روسيا في المنطقة عبر تبني “حل الدولتين”

زياد سامي عيتاني

على وقع حرب الابادة المفتوحة والمتعاظمة على قطاع غزة، وتنامي الشعور بالاحباط بين حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة، جراء الانحياز الأميركي المطلق إلى إسرائيل، جاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى أبوظبي والرياض.

الزيارة التي تتزامن مع استمرار العدوان الاسرائيلي على القطاع، والمدعوم من أميركا ودول غربية أخرى، يجعل منها زيارة استثنائية، وذات أهمية كبيرة لكل من موسكو والرياض وأبو ظبي، وتمثل في ظل المناخ السائد في الشرق الأوسط، وارتباك الأجندة والتحالفات، فرصة لروسيا لتوسيع نفوذها في المنطقة، وفرصة أيضاً لدول المنطقة لتنويع تحالفاتها في ظل هذه المتغيرات. لذا، فإن الزيارة الخاطفة لبوتين إلى الامارات والسعودية في هذا التوقيت و”الظرف الحساس” تحمل أبعاداً أكبر من “مناقشة العلاقات الثنائية والمشتركة”، بل انها تحمل رسائل وأهدافاً عدة، فبوتين المجروح من دور الولايات المتحدة والغرب في الحرب الأوكرانية، قد يرى فرصة تلوح في الأفق للثأر من واشنطن وحلفائها الغربيين، من بوابة الشرق الأوسط.

وكان بوتين قد حدّ من رحلاته الخارجية منذ شهر آذار الماضي، عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة إعتقال بحقه في ما يتعلق باختطاف أطفال من أوكرانيا، وهذا يجعل الامارات والسعودية تمثلان بالنسبة اليه دولتين “آمنتين”، كونهما لم توقعا على المعاهدة. ويوضح في هذا الشأن كبير الخبراء في المجلس الأطلسي ريتش أوتزن أن “بوتين يحاول أن يُظهر أولاً من خلال الزيارة وقبل كل شيء أنه ليس معزولاً ديبلوماسياً حتى بين أصدقاء الولايات المتحدة”، كما أنه يسعى الى “التنسيق بشأن إنتاج النفط وتجارته، لتحسين الظروف الاقتصادية في روسيا، المتضررة جراء العقوبات”.

وجاءت زيارة بوتين الخاطفة أيضاً بعد تقارير رصدت “تراجعاً لأهمية موسكو في المنطقة بعد حرب غزة”، من بينها لمجلة “فورن بوليسي”، التي أوضحت في 21 الشهر الماضي أن “المساعي الروسية في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في القطاع لم تكتسب سوى القليل من الاهتمام”. ورسمت المجلة الأميركية قبل أسبوعين خطاً زمنياً للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، ورصدت “نقطة انعطاف” فرضتها الحرب في أوكرانيا، وكذلك الأمر بالنسبة الى الحرب في غزة. وقالت في ختام تحليلها إن “من غير المرجح أن يكون لموسكو دور كبير في المستقبل الجديد للشرق الأوسط الذي قد تسهم حرب القطاع في تحديده”.

يشار في هذا الاطار، الى أن ثمة تقارب لافت في وجهات النظر بين موسكو والرياض وأبوظبي، إزاء الحرب الدائرة في قطاع غزة، فبوتين ندد منذ اليوم الأول بالهجوم الاسرائيلي على القطاع، وشدد على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، وهي وجهة النظر السعودية والاماراتية، والعربية عموماً. وأشار الصحافي والباحث السياسي الروسي ديمتري بريجع في تصريح، إلى أن الزيارة “ستقرب روسيا من منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج”، لافتاً إلى أن “العقيدة السياسية الروسية الجديدة” تقوم على “التقرب من الحضارة الاسلامية والدول الاسلامية”. وأوضح بريجع أن “روسيا مهتمة ببناء علاقات وثيقة مع السعودية والامارات، في ملفات كثيرة، من ضمنها القضية الفلسطينية”، مؤكداً أن “روسيا مع وقف إطلاق النار وحلّ الدولتين، وإيجاد حلول سياسية ديبلوماسية للقضية الفلسطينية”. أما الكاتب والمحلل السعودي سليمان العقيلي، فلم يستبعد “أن يستغل الرئيس بوتين حالة الغضب من واشنطن التي أحرجت بسياستها المنحازة جميع دول المنطقة، وأن يدعم الموقف السعودي في حل الدولتين للصراع مع إسرائيل”.

يشار إلى أن العدوان المفتوح على غزة، إستحوذ بصورة أساسية على ما تناوله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال لقائه الرئيس الروسي في الرياض، حيث ترددت مفردة “الأمن في الشرق الأوسط”، الأمر الذي يكشف الجانب السياسي للمباحثات التي دارت بين الجانبين. وقال بن سلمان خلال اللقاء: “الأمن قد تعزز في الشرق الأوسط بفضل التعاون السياسي بين روسيا والسعودية، وسيكون لتنسيقنا وتفاعلنا السياسي بلا شك، تأثير إيجابي على الوضع العالمي والوضع في المنطقة”. أما الرئيس الروسي فأكد بدوره، أهمية مشاركة البلدين ومشاطرتهما بعضهما بعضاً في التقديرات والتقويمات في ما يخص التطورات الأخيرة التي تطرأ على الصعيد الدولي، مضيفاً: “من المهم للغاية بالنسبة الينا جميعاً الآن، أن نتبادل المعلومات والتقويمات معكم حول ما يحدث في المنطقة”.

إذاً، واحدة من أهداف زيارة بوتين الى كل من الامارات والسعودية، محاولة التحرك في الملف الخاص بالقطاع من أجل وقف إطلاق النار، إضافة إلى إبراز دور روسيا السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ومنافسة أميركا والغرب. وفي المقابل، فإن الدول العربية تسعى من خلال تعزير علاقاتها مع روسيا وتطويرها الى الضغط على الادارة الأميركية والدول الغربية، للاسراع في إرغام إسرائيل على وقف عدوانها الجهنمي على غزة، والتأسيس لمرحلة ما بعد حرب غزة، على قاعدة إعادة من تهجر من أهاليها، وكذلك إعادة إعمارها، والشروع في مفاوضات جدية لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

اقرا ايضاً:

  1. أهمية زيارة بوتين الخليجية (١) تعزيز دور روسيا في المنطقة عبر تبني “حل الدولتين”
  2. أهمية زيارة بوتين الخليجية (٢) نفطية واقتصادية أكثر منها عسكرية
شارك المقال