تحالف “الازدهار” وحسابات الانفجار (١)… زيادة إحتمالات نشوب حرب ملاحية

زياد سامي عيتاني

على الرغم من تعدد الجبهات “المرادفة” لحرب الابادة على غزة، فإن العمليات التي ينفذها الحوثيون ضد السفن الاسرائيلية، أو التي تحمل شحنات متجهة إلى إسرائيل في شريان مائي مهم دولياً إتخذت أبعاداً عسكرية وسياسية واقتصادية عالمية، وشكّلت أزمة يمكن أن تتدحرج إلى حرب إقليمية. وكان الحوثيون قد هددوا سابقاً باستهداف جميع أنواع السفن التي تشغّلها شركات إسرائيلية، أو تعود ملكيتها اليها، أو تلك التي تحمل العلم الاسرائيلي، وبعد عمليات عدة ربطوا وقفها بإدخال الغذاء والدواء والمساعدات لغزة المحاصرة.

حتى يوم 19 كانون الأول الجاري، قررت 13 شركة عالمية كبرى تغيير مسارات سفنها، أو وقف جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر. من جهتها، قررت شركة شحن الحاويات التايوانية “إيفرغرين” التوقف مؤقتاً عن قبول البضائع الاسرائيلية بأثر فوري وتعليق الملاحة عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر، بينما أوقفت شركة “أورينت أوفرسيز كونتينر لاين” ومقرها هونغ كونغ بدورها قبول البضائع من إسرائيل وإليها حتى إشعار آخر، بسبب مشكلات تشغيلية.

وتشير التقديرات إلى أن حركة المرور عبر البحر الأحمر تقلصت تبعاً للأحداث الجارية بنسبة 35%. وعموماً يقدّر خبراء ومحللون أن يؤدي الانسداد إلى تعطيل حوالي 9.6 مليارات دولار من التجارة العالمية يومياً، ويتسبب في ارتفاع أسعار النفط في أوروبا خصوصاً؛ بسبب المخاوف من نقص الامدادات. ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن زيادة وتيرة التهديدات التي تواجه الشحن الدولي في البحر الأحمر سوف تؤدي إلى مشكلات في التزود بالطاقة وانعدام الأمن الغذائي، وتهدد سلاسل التوريد العالمية. ويقول جون ستاوبرت، كبير مديري البيئة والتجارة في الغرفة الدولية للشحن البحري: “هذه مشكلة بالنسبة الى أوروبا، وهي كذلك بالنسبة الى آسيا، من المحتمل أن يكون لها تأثير اقتصادي هائل”، مشيراً إلى أن 40% من التجارة بين آسيا وأوروبا تمر عادة عبر باب المندب.

وأمام هذا المشهد الدولي المضطرب، تم الاعلان عن تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر، خصوصاً أن ما يجري فيه يمثل خطراً على المصالح الغربية والعربية. فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الأسبوع الماضي من إسرائيل، إطلاق تحالف “حارس الازدهار”، قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات “من أجل ترسيخ المبدأ الأساسي لحرية الملاحة في البحر الأحمر”، يتألف من 10 بلدان للتصدي لهجمات الحوثيين، هي بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنروج وسيشل وإسبانيا. هل من شأن هذا التحالف أن يعيد الاستقرار إلى البحر الأحمر، علماً أن لدى البحرية الأميركية قوة مهام في البحر الأحمر عززت وجودها في الممر المائي الحيوي، أم أن التوتر سيبقى قائماً في المنطقة، وسيستمر تعطيل مسار الشحن الدولي وحركة التجارة العالمية بشكل قد يكون أكثر وقعاً وتأثيراً مع إستمرار العدوان الاسرائيلي على غزة، كما يمكن أن يتصاعد؟

يمكن الاجابة عن هذا السؤال من خلال ما نشرته مجلة “تايم” بأن الحوثيين “مجهزون بصورة كبيرة بالأسلحة التي توفرها لهم إيران، بما في ذلك الطائرات من دون طيار الدقيقة، وصواريخ كروز المضادة للسفن والصواريخ الباليستية القادرة على ضرب سفينة متحركة على بعد مئات الكيلومترات. ومع وجود مخزون كبير، يمكنهم الاستمرار في هذه الحملة لفترة طويلة”. كما يفتقر التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة إلى دعم معلن من الدول العربية السبع المطلة على البحر الأحمر، وهو ما يضعف دوره ويشكك في أهدافه.

لا شك في أن البحث في حلول عسكرية محض يقود نحو مزيد من التصعيد، وهو ما من شأنه أن يعوق حركة التجارة الدولية ويعمّق الأزمة الاقتصادية العالمية، ويؤدي إلى مزيد من عسكرة شريان بحري عالمي مهم، وازدحام المدمرات والغواصات والبوارج، ويقوّي إحتمال نشوب نزاع أشد وأخطر في المنطقة.

إقرأ ايضاً:

  1. تحالف “الازدهار” وحسابات الانفجار (١)… زيادة إحتمالات نشوب حرب ملاحية
  2. تحالف “الازدهار” وحسابات الانفجار (٢)… الأهمية الاستراتيجية للممر المائي الذي تصارعت عليه الدول العظمى
شارك المقال