متحورات أزمات لبنان 2024 (1)… فراغ وتفريغ لمفهوم الدولة

زياد سامي عيتاني

يدخل لبنان العام 2024 منهكاً ومتهالكاً، جراء ما حفلت به السنة المنصرمة من أزمات سياسية ودستورية أثقلت كاهل اللبنانيين بتداعياتها السياسية والاقتصادية والمعيشية، ما جعله يعاني واحدة من أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم، بحسب تقارير بعض المنظمات الدولية. والعنوان العريض لتلك الأزمات يكمن في إستمرار الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، ما يترك إنعكاسات سلبية على كل الواقع اللبناني الداخلي، ويعطل عمل مؤسساته الدستورية، ويزيد من تفكك الدولة المحتضرة وتحللها، ويفاقم أزماته الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، ويبقيه في مهب المخاطر التي باتت تهدد وجوده ودوره وهويته.

وكانت أزمة شغور منصب رئيس الجمهورية تفجرت مع نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، في 31 تشرين الأول 2022، وفشل مجلس النواب خلال 12 جلسة في انتخاب رئيس جديد للبلاد في ظل إنعدام التوافق على مرشح تجمع عليه الكتل النيابية والفرقاء السياسيون.

يذكر أنها ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان شغوراً في الموقع الرئاسي. فقد سبق أن شهد الشغور في منصب رئيس الجمهورية 3 مرات، الأولى إستمرت 13 شهراً من أيلول 1988 إلى تشرين الثاني 1989، والثانية 6 أشهر من تشرين الثاني 2007 إلى أيار 2008، والثالثة 29 شهراً من أيار 2014 إلى تشرين الأول 2016.

وتتزامن أزمة الفراغ الرئاسي مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، لا سيما في ما يتعلق بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية ونقدية يضعها المجتمع الدولي شرطاً لإبرام اتفاق مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار. ومع ترحيل أزمة الفراغ الرئاسي من العام الماضي إلى هذا العام، فإن السؤال البديهي الذي يطرح نفسه، هل من الممكن أن تنضج مع بدايات العام 2024 ظروف إنتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً في ظل التطورات الخطيرة في المنطقة، وعلى الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، بسبب تداعيات معركة “طوفان الأقصى” والحرب على قطاع غزة وتطور الصراع الى كل الدول المعنية بالصراع مع العدو الاسرائيلي؟

وككل القضايا الخلافية في لبنان تنقسم الآراء حيالها، وهذا ما ينسحب على الاستحقاق الرئاسي، بحيث ثمة مقاربتين متناقضتين للموضوع: المقاربة الأولى، ترى وجود فرصة لحل أزمة الفراغ الرئاسي، وتربط بينه وبين ما سيقوم به رئيس مجلس النواب نبيه بري من مساعٍ في هذا الاطار بعد عطلة الأعياد، وهو ما يمكن أن يمثل إختراقاً في جدار الأزمة في حال لقيت مساعيه تجاوباً جدياً. ويرى أصحاب هذه المقاربة أن التمديد لقائد الجيش يمكن أن يشكل نموذجاً على الطريقة اللبنانية للإتفاق على رئيس جديد للجمهورية. ويشترط أصحاب هذا الرأي لنجاح مساعي بري ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية محايد ولا يكون خاضعاً لأي طرف من الأطراف السياسية، ولكن هذا الأمر يستلزم أولاً سحب المرشحين المطروحين، والتوجه نحو الخيار الثالث. مقابل هذه المقاربة، هناك رأي يستبعد تماماً أي إنفراجات في المدى المنظور بشأن الملف الرئاسي، في ظل إستمرار حالة الجمود التي تسيطر على المشهد السياسي، وتمسك الفرقاء السياسيين بمواقفهم.

بغض النظر عن صوابية هذا الرأي أو ذاك، فإن معالجة الشغور الرئاسي ترتبط ببعدين:

– الأول داخلي، وله علاقة بتوافق القيادات اللبنانية على معالجة الأزمات الداخلية إنطلاقاً من إنهاء الشغور الرئاسي، ليكون منصة للإنطلاق نحو ورشة واسعة من الاصلاحات على الصعد كافة.

– البعد الخارجي، وله علاقة بتطورات الحرب على غزة وتداعياتها في كل المنطقة.

بانتظار وضوح رؤية المسارين الداخلي والخارجي، فإن لبنان مقدم على مزيد من الفراغ الشامل، وتفريغ الدولة من مقوماتها ومرتكزاتها.

إقرأ ايضاً:

  1. متحورات أزمات لبنان 2024 (1)… فراغ وتفريغ لمفهوم الدولة
  2. متحورات أزمات لبنان عام 2024 (٢)… الجنوب بين جبهة مشاغلة والحرب الشاملة
شارك المقال