متحورات أزمات لبنان عام 2024 (٢)… الجنوب بين جبهة مشاغلة والحرب الشاملة

زياد سامي عيتاني

ورثت سنة 2024 من سابقتها زيادة إحتمالات أن تحوّل إسرائيل إنخراط “حزب الله” في مواجهات مشاغلة معها إلى حرب شاملة، لاستدراج المجتمع الدولي لا سيما واشنطن إلى أمر واقع تفرضه تل أبيب، بذريعة تنفيذ القرار 1701 وإبعاد الحزب إلى شمال الليطاني، لظهور رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بمظهر المنتصر في إحدى الجبهات، بعدما أخفق في تحقيق أي هدف إستراتيجي في غزة. وأتت جريمة إغتيال القيادي البارز في حركة “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت “عاصمة” قيادة “حزب الله”، لتزيد من إحتمالات تفجير الجبهة الجنوبية على نطاق واسع، نظراً الى أبعاد الجريمة البالغة الخطورة ومدلولاتها على صعيد الاختراق الكبير والمقلق للمنظومة الأمنية لـ “حزب الله” المشهود بقدراتها وكفاءتها.

لذلك، إتجهت الأنظار الى الكلمة التي كان مقرراً أن يلقيها الأمين العام السيد حسن نصر الله، وما إذا كانت ستحمل رداً مزلزلاً مع الاعلان عن رد عنيف ضد إسرائيل، خصوصاً أن العاروري قتل في مربعه الأمني، وهذه رسالة إستفزازية من إسرائيل لدفع “حزب الله” إلى مواجهة مباشرة. وخلافاً لذلك، فإن أهم ما ورد في الخطاب هو الشكل الذي ألقى فيه نصر الله الخطاب، بحيث كان هادئاً وليس متوتراً، كأنه يحاول التأكيد على خطابيه الأخيرين في بداية 7 تشرين الأول (أكتوبر) عندما ظهر لمرتين وأكد أن لبنان هو جبهة مساندة لما يحدث في غزة وليس خط مواجهة مباشرة. “هذه الجريمة لن تبقى من دون رد وعقاب وبيننا وبينكم الميدان والأيام والليالي…” بهذه الجملة “المقتضبة” و”الغامضة” عقب السيد حسن نصر الله على الاختراق الأمني الخطير والكبير للعدو الاسرائيلي في معقل قيادة “حزب الله” في الضاحية الجنوبية، من خلال تصفيتها العاروري، في وقت توقع الكثير من المراقبين أن يتضمن خطاب السيد في الذكرى الرابعة لمقتل قائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني، وبعد ساعات من عملية اغتيال العاروري، “البيان رقم واحد” لعملية عسكرية إنتقامية واسعة للحزب، تطيح قواعد الاشتباك التي أرساها القرار 1701.

إلا أن نصر الله حرص على التأكيد: “نحن حتى الآن نقاتل في الجبهة بحسابات لذلك هناك تضحيات، لكن إذا فكر العدو أن يشن حرباً على لبنان حينها سيكون قتالنا بلا حدود وضوابط وسقوف، لسنا خائفين من الحرب ونحن مستعدون لها”. وهذا ما دفع المحللين إلى الاعتقاد أن السيد لن يمنح إسرائيل “جائزة” إستدراج الحزب الى حرب شاملة بالتوقيت الذي يحدده نتنياهو، من دون استبعاد أن يقوم الحزب بالرد من خلال عملية نوعية خارج “جغرافيا” الحدود اللبنانية.

تزامناً، تستمر المواجهات في التصاعد على الجبهة الجنوبية مع العدو الاسرائيلي بصورة ملحوظة، ما يستحضر مخاوف من توسعها، لتتحول إلى حرب شاملة، في حال لم تتوقف حرب الابادة على قطاع غزة، وبالتالي إنتقال تداعياتها الى كل دول المنطقة التي تربطها حدود مع الكيان الصهيوني. وعلى الرغم من أن العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية لا تزال ضمن حدود معينة، فان ذلك لا يمنع إحتمال تطور الأوضاع الى حرب شاملة أو قيام العدو الاسرائيلي بعدوان واسع على الأراضي اللبنانية كما يعلن مسؤولوه، اذ يواصلون التهديدات بتدمير لبنان بذريعة حماية المستعمرات الشمالية المطلة على جنوبه للتخلص من خطر “حزب الله” وتأمين السلام، بما يتيح لسكان هذه المستعمرات العودة الى منازلهم! وتترافق هذه التهديدات مع تطورات توحي بأن الجبهة المفتوحة والتي تتجاوز مناطق قواعد الاشتباك باتت قاب قوسين من الانفجار، وآخرها ما يؤشر إليه قرار السلطات الاسرائيلية بإغلاق مجموعة كبيرة من المستوطنات الشمالية، خوفاً من “حرب محتملة” مع “حزب الله”.

وإطلاق المسؤولين الاسرائليين التهديدات بشن هجوم واسع على لبنان بحجة تطبيق القرار 1701 اذا لم يوقف “حزب الله” عملياته العسكرية وينسحب من جنوب الليطاني، يثير المخاوف من تصاعد التطورات العسكرية في حال لم تتوقف الحرب على قطاع غزة، وتوسعها لتشمل كل الجبهات. لذلك، لا يمكن التكهن بالنسبة الى الحرب على غزة وتداعياتها اللبنانية، ولا بالتطورات المقبلة طالما التصعيد على الجبهة الجنوبية مستمر، ما يضع لبنان أمام تحديات صعبة، إذا لم يتم التوصل إلى حلول للحرب على غزة. فالميدان المشتعل على الحدود الجنوبية، بات أشبه بـ “الاستطلاع بالنار” لمدى إستعداد اسرائيل للذهاب بعيداً في توسيع المناوشات الى حرب واسعة، بهدف الهروب الى الأمام، كلما شعرت أنها “محشورة” بسبب إخفاقها في تحقيق أي من أهدافها الاستراتيجية في غزة.

في المقابل، فإن “حزب الله” الذي لا يزال يلتزم قواعد الاشتباك، من دون منح العدو الاسرائيلي “جائزة” إستدراجه الى الحرب الشاملة، مع إصراره على عملياته هي على سبيل “المشاغلة”، فربما يكون إستهداف الضاحية الجنوبية في تطور خطير ومفاجئ، مقدمة لتغيير إستراتيجية الحزب واللجوء الى “شبك” الساحات عسكرياً. لكن موقف السيد نصر الله كان واضحاً وحاسماً بتأكيده الاستعداد للمواجهة، ولكن لن يذهب بها كما يريدها الاسرائيليون، فهو يحدد الوقت والمكان، ولا يريد أن ينجر إلى الحالة الموتورة التي تحاول إسرائيل دفعها باتجاه فتح القتال على مصراعيه.

إقرأ ايضاً:

  1. متحورات أزمات لبنان 2024 (1)… فراغ وتفريغ لمفهوم الدولة
  2. متحورات أزمات لبنان عام 2024 (٢)… الجنوب بين جبهة مشاغلة والحرب الشاملة
شارك المقال