الجنوب بين التهويل والترسيم (2)… “الحزب” منفتح على الديبلوماسية

زياد سامي عيتاني

منذ إطلاق عملية “طوفان الأقصى” في قطاع غزّة في 7 تشرين الأول، لم تعد الحدود الجنوبية للبنان مع فلسطين المحتلة مجرّد جبهة إشغال واستنزاف للاسرائيلي، بل باتت مفتوحة بصورة جدّية وحقيقية، وبخلاف الفترة السابقة كلّها، على كلّ الاحتمالات التي تفرض خلطاً جديداً للأوراق في المنطقة حرباً أو سلماً. ففي اليوم التالي للعملية، عادت جبهة الجنوب إلى مسرح الأحداث، في ضوء المواجهات التي باتت جزءاً من المشهد اليومي، والتي تتصاعد تباعاً بصورة ملحوظة، وسط مخاوف من تفلتها وتحولها إلى حرب مفتوحة، خصوصاً مع إنخراط قوى وفصائل أخرى غير “حزب الله” في المواجهات، منها فلسطينية ومنها لبنانية.

لذا، فإن “حزب الله” يدير المعركة بعناية فائقة لإبقائها ضمن قواعد الاشتباك، ومن دون تمكين رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو من إستدراجه إلى حرب واسعة، لاستدراج تدخل أميركي عسكري مباشر. وعليه، الحزب تعمّد جعل جبهة الجنوب، جبهة إشغال واستنزاف أكثر مما هي جبهة حرب مفتوحة. وهذ الأمر إضطر الجيش الاسرائيلي الى حشد قسم من قواته ومعدّاته عند الحدود وهو يخوض معارك يومية هناك. ونتيجة لذلك إضطرّ المستوطنون الاسرائيليون تحت وابل الصواريخ، التي تستهدف محيط المستوطنات، إلى إخلائها، واللجوء إلى الداخل الفلسطيني المحتل، وهذا ما شكّل ضغطاً عليهم وعلى الجيش وعلى الحكومة الاسرائيلية أيضاً.

بناءً على تلك التطورات، يجري الحديث منذ فترة في الأروقة الدولية، عن المنطقة العازلة في جنوب لبنان، التي تقضي بإخراج مقاتلي “حزب الله” من منطقة جنوب الليطاني وإبعادهم إلى شمال النهر. وقد حمل أكثر من موفد دولي هذا المقترح إلى لبنان، كان آخرهم الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، الذي نقل إلى المسؤولين اللبنانيين أفكاراً بهذا الشأن، تتناول إضافة إلى المنطقة العازلة، تصوراً بشأن مزارع شبعا وكفرشوبا. وكان قد سبقه في حمل مسألة المنطقة العازلة في جنوب لبنان أيضاً بصورة غير رسمية الموفد الفرنسي الرئاسي إلى بيروت جان إيف لودريان، الذي فاتح بشأنها المسؤولين اللبنانيين، في غضون حرب غزّة، وفي ظلّ المواجهات اليومية التي تجري على جبهة جنوب لبنان. غير أنّ المسؤولين اللبنانيين أكّدوا لكل الموفدين أنّ لبنان ملتزم بقرار مجلس الأمن 1701 الصادر في العام 2006، وأنّ المطلوب أن تلتزم به إسرائيل وتوقف اعتداءاتها على لبنان، وخرقها شبه اليومي الجوي والبحري لهذا القرار.

يذكر أن مقترح المنطقة العازلة عبر القنوات الديبلوماسية، يترافق مع تهديدات إسرائيلية، بأنّ ذلك يجب أن يحصل عن طريق الديبلوماسية أو عن طريق القوّة العسكرية. بمعنى آخر، أعطت إسرائيل رُعاتها الدوليين، أو منحتهم، وقتاً معيّناً لإقامة هذه المنطقة العازلة، وإلاّ فإنّها ستلجأ إلى خيار الحرب من أجل إقامتها تماماً كما عملت في غزّة، حيث لجأت إلى القوّة العسكرية المفرطة بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية هناك.

وفي هذا الاطار، كُشف أن أحد الاقتراحات التي طرحت هو تقليص الأعمال القتالية عبر الحدود بالتزامن مع تحرك إسرائيل صوب تنفيذ عمليات أقل كثافة في قطاع غزة، على أن يبتعد مقاتلو “حزب الله” لمسافة سبعة كيلومترات عن الحدود. ويترك هذا المقترح مقاتلي الحزب أقرب كثيراً من مطلب إسرائيل العلني بالابتعاد لمسافة 30 كيلومتراً إلى نهر الليطاني، كما هو منصوص عليه في قرار للأمم المتحدة صدر عام 2006.

ويتساءل مصدر في “حزب الله”: لماذا ترضخ المقاومة اللبنانية لشروط إسرائيلية، وتقبل إقامة هذه المنطقة العازلة طوعاً، ما دامت إسرائيل عاجزة عن حسم حرب غزّة عسكرياً؟ ويؤكد أن ثمة خشية من أن تكون إسرائيل قد بيّتت نيّة لشنّ عدوان جديد على لبنان، يتيح لها تسجيل إنجاز والنزول عن رأس الشجرة التي صعدت إليها في حرب غزّة.

وعلى الرغم من موقف “حزب الله” الرافض للمنطقة العازلة، الا أنه منفتح على الاتصالات الديبلوماسية، لتجنب خوض حرب شاملة. فالحزب ألمح إلى أنه بمجرد انتهاء الحرب في غزة قد يكون منفتحاً على فكرة تفاوض لبنان على اتفاق عبر وسطاء بشأن المناطق الحدودية محل النزاع.

إقرأ الجزء الأول والثالث:

شارك المقال