الجنوب بين التهويل والترسيم (1)… اسرائيل و”الحزب” يتجنبان الانزلاق إلى حرب واسعة

زياد سامي عيتاني

منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، وبعد يوم واحد على عملية “طوفان الأقصى”، إندلعت مواجهات على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية بين “حزب الله” والجيش الاسرائيلي، وأعلن حينها الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله أن جنوب لبنان هو “جبهة مشاغلة”، في إشارة واضحة الى عدم وجود رغبة لدى الحزب ومن خلفه إيران في توسيع الحرب المفتوحة على غزة، منعاً لانزلاق الشرق الأوسط إلى حرب دولية وإقليمية، من شأنها تهديد أمن المنطقة بأسرها. لذلك، بقيت العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية محسوبة بدقة، لتبقى ضمن إطار قواعد الاشتباك المنصوص عليها في القرار 1701.

وتدريجياً وبالتزامن مع توسع الحرب الاسرائيلية على غزة، التي بدأت تأخذ الطابع الإبادي والتدميري، تصاعدت وتيرة القصف الصاروخي المتبادل على الحدود اللبنانية الجنوبية لتصل إلى عشرات الكيلومترات على جانبي الحدود في العمق اللبناني والاسرائيلي. وأمام هذا التصعيد بدأت تتزايد المخاوف من أن يتحول إلى مواجهة أوسع، خصوصاً مع وصول القصف الاسرائيلي إلى معقل “حزب الله” في ضاحية بيروت الجنوبية، عندما إغتالت نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري في غارة جوية بالضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من كانون الثاني الجاري، كما إغتالت القيادي الميداني البارز في “حزب الله” وسام طويل عبر غارة استهدفت سيارته جنوب لبنان في التاسع من الشهر الجاري. وهنا يجب التذكير بموقف الأمين العام لـ “حزب الله” عندما رسم قاعدة “مدني مقابل مدني”، فكيف إذا تم إستهداف قياديين بارزين من “حماس” والحزب؟

وما يعكس تصاعد إحتمالات الحرب الواسعة ما أعلنه رئيس أركان الجيش الاسرائيلي هرتسي هاليفي أن “خوض بلاده حرباً مع حزب الله في لبنان أصبح احتمالاً متزايداً”. وقال: “لا أعرف متى ستبدأ الحرب في الشمال، لكن يمكنني أن أخبركم أن إحتمال حدوث ذلك في الأشهر المقبلة أعلى بكثير مما كان عليه في الماضي”. وكشف أن الجيش الاسرائيلي لديه هدف واضح للغاية في ما يتعلق بلبنان، وهو إعادة “السكان” الاسرائيليين إلى بلداتهم ومدنهم شمالي البلاد، بعد أن نزحوا منها بسبب القصف المتبادل مع “حزب الله”. يشار في هذا المجال، ونتيجة للقتال المتواصل، الى نزوح ما يقدر بنحو 80,000 إسرائيلي من الشمال، بعضهم تم إجلاؤه بأوامر حكومية والبعض الآخر بسبب مخاوفه الخاصة، مع عدم وجود وسيلة لمعرفة متى سيتمكنون من العودة إلى ديارهم.

وعلى الرغم من إستمرار تصاعد الأعمال العسكرية على الجبهة اللبنانية والاسرائيلية بين إسرائيل و”حزب الله”، فإن الجانبين ما زالا يحتفظان بنطاق محدود للهجمات المتبادلة، منعاً للدخول في حرب، خصوصاً مع تزايد الحديث عن إتجاه الى اتفاق ترسيم الحدود. وفي هذا الاطار، أكد نصر الله في 3 كانون الثاني الجاري، أن حزبه “راعى حتى اللحظة المصالح اللبنانية لكن إذا شنت إسرائيل الحرب على لبنان فسيكون ردنا بلا سقف”. بدوره، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن بلاده تعمل على التوصل الى حل ديبلوماسي، لكنه أكد أن تطبيق هذا الحل سيكون مرتبطاً بوقف العدوان الاسرائيلي على غزة. وقال: “منذ 7 أكتوبر ونحن نكرر أننا طلاب استقرار دائم، وندعو إلى حل سلمي دائم، ولكن في المقابل تصلنا تحذيرات عبر موفدين دوليين من تدمير وحرب على لبنان”.

أضاف: “التهديدات التي تصلنا مفادها أنه يجب انسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، في الوقت الذي نشدد نحن على أن هذا الأمر جزء من البحث الذي يجب أن يشمل انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي التي تحتلها، ووقف اعتداءاتها على لبنان وخرقها للسيادة اللبنانية”.

في المقابل، أوردت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية “أن الجانبين كانت لديهما فرص توجيه ضربات موجعة للآخر، لكنهما متّفقان على ضرورة عدم إشعال حرب كبرى على الحدود اللبنانية”. وفي تقريرٍ لها نشرته، الاثنين الماضي، ضربت الصحيفة مثالاً، بأنّ “حزب الله” كان قادراً على إستهداف قائد عسكري كبير بطائرة مسيّرة وصلت الى قاعدة عسكرية في شمال إسرائيل، لكنها لم تفعل. وكشفت الصحيفة كذلك عن “أن مباحثات سياسية غير مباشرة، بين تل أبيب وحزب الله برعاية أميركية، ستُستأنف قريباً للتوصّل إلى إتفاق دائم”.

وتشير المصادر المواكبة لحركة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الى أنه يركز في مباحثاته على نقاط تتعلّق بالحدود بين إسرائيل ولبنان، مع بذل كل ما في وسعه لتجنّب التصعيد الذي يمكن أن يؤدي إلى كل شيء. وتحدّث هوكشتاين، مستشار بايدن لشؤون الطاقة على مسمع المسؤولين اللبنانيين الذين إلتقاهم، عن أن اسرائيل “بقدر مساعيها للتوصّل إلى حل ديبلوماسي، فإنها كذلك ملتزمة بعمل عسكري يبعد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني”! هوكشتاين يحمل أفكاراً تتعلق بوجود توجه غربي جديد الى إقامة منطقة منزوعة السلاح، تطال جنوب نهر الليطاني، بحيث تتولى قوات “اليونيفيل” وحدها مسؤولية هذه المنطقة، إضافة إلى إنتشارها على “الخط الأزرق” وإبعاد “حزب الله” عن الحدود، فيما تبقى المسارات العاملة على خط الوصول إلى اتفاق في هذا الشأن موزعة بين باريس وواشنطن. فهل يوافق “حزب الله” على أفكار الموفد الأميركي المتعلقة بالمنطقة العازلة؟

إقرأ الجزء الثاني والثالث:

شارك المقال