الجنوب بين التهويل والترسيم (3)… واشنطن تعمل للتهدئة حرصاً على مصالحها

زياد سامي عيتاني

في الأسابيع الأخيرة، أصبحت عمليات إطلاق النار المنتظمة بين إسرائيل و”حزب الله” على طول الحدود أكثر تصعيداً، ما أثار إنتقادات من مسؤولين كبار في واشنطن، التي لا تريد أن ترى تصعيداً للحرب على جبهات أخرى في الشرق الأوسط في الوقت الحالي. ومخاوف الادارة الأميركية، مردها إلى إعلان إسرائيل أنها ترى في تبادل إطلاق النار المنتظم بين قواتها و”حزب الله” على طول الحدود أمراً لا يمكن السكوت عنه، وأنها قد تشن قريباً عملية عسكرية كبيرة في لبنان. وفي هذا السياق، أكد كبير المتحدثين باسم الجيش الاسرائيلي دانيال هاغاري في إشارة إلى التهديد بهجمات من لبنان، أن الجيش الاسرائيلي لا يزال “مستعداً بجهوزية عالية جداً في الشمال، في الدفاع والهجوم”.

ويشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق، من أن رؤية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، ينقل القتال الموسع من غزة إلى لبنان هو مفتاح بقائه السياسي وسط انتقادات داخلية لفشل حكومته في منع هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول، والذي أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو 1200 شخص واحتجاز حوالي 240 رهينة، وفقاً للسلطات الاسرائيلية. وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الادارة الأميركية حذرت إسرائيل في محادثات خاصة من تصعيد كبير في لبنان. بدورها أوضحت صحيفة “واشنطن بوست”، أن الرئيس الأميركي جو بايدن، أرسل كبار مساعديه إلى الشرق الأوسط لتحقيق هدف حاسم يتمثل في منع اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و”حزب الله”. والمعضلة بحسب الصحيفة أن اسرائيل إذا شنت بالفعل حرباً على “حزب الله”، فسيكون من الصعب على الجيش الاسرائيلي أن ينجح في ذلك لأن أصوله وموارده العسكرية ستكون منتشرة بصورة ضئيلة للغاية نظراً الى انخراطه في حرب غزة، وفقاً لتقويم سري جديد صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية (DIA).

ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن مسؤولين أميركيين أن المسؤولين الاسرائيليين ناقشوا منذ هجوم “حماس” في السابع من تشرين الأول، شن هجوم وقائي على “حزب الله”. وواجه هذا الاحتمال معارضة أميركية مستمرة بسبب احتمالية جر إيران، التي تدعم “حزب الله” إلى الصراع، وهو احتمال قد يجبر الولايات المتحدة على الرد عسكرياً نيابة عن إسرائيل. وتتمثل مخاوف المسؤولين الأميركيين، بحسب الصحيفة، في أن يتسبب صراع واسع النطاق بين إسرائيل ولبنان في مزيد من الدماء مقارنة بما شهدته الحرب الاسرائيلية – اللبنانية عام 2006 بسبب ترسانة “حزب الله” من الأسلحة بعيدة المدى والدقيقة والتي أصبحت حالياً أكبر بكثير. كما يخشى المسؤولون من أن “حزب الله” قد يضرب إسرائيل بشكل أعمق من ذي قبل، فيصيب أهدافاً حساسة مثل مصانع البتروكيماويات والمفاعلات النووية، وقد تقوم إيران بتنشيط الميليشيات في جميع أنحاء المنطقة. جانب آخر تخشاه واشنطن، أن الصراع في غزة قد أدى إلى زيادة المخاطر التي تواجهها القوات العسكرية الأميركية في المنطقة، والتي تتعرض بصورة متزايدة لهجوم من الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا.

على الرغم من بعض الخلافات في وجهات النظر بين إدارة بايدن ونتنياهو، فإن واشنطن تسير على حبل مشدود في المنطقة، نظراً الى مخاوفها من إقدام رئيس الحكومة العسكرية على مغامرة “مجنونة” بشن حرب واسعة على لبنان، بما يمكن أن تؤدي إليه من حرب شاملة في المنطقة، حيث لا يمكن حينها ألا تتدخل إيران مباشرة عسكرياً في الصراع، وأن تبقى الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي. وعليه، تعمل واشتطن على إستخدام نفوذها للتوصل الى اتفاق مع الجهات الفاعلة الاقليمية لتجنب التصعيد، حرصاً على إسرائيل “المنهكة” من أن يلحق بها المزيد من الاخفاقات، مع الاصرار على أن الولايات المتحدة ستدافع عن مصالحها في المنطقة.

إقرأ الجزء الأول والثاني:

شارك المقال