شباط شهر الحسم… (2) التعويل على جهود هوكشتاين لترسيم إتفاق تهدئة

زياد سامي عيتاني

تصاعد حدة المواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل، التي تنذر باحتمال التصعيد الذي لا يمكن السيطرة عليه، بات يستلزم دوراً حاسماً للديبلوماسية الأميركية لتجنب حرب واسعة النطاق. فقد سبق لوزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت أن حذر من أن “نافذة الفرصة تضيق وإسرائيل تقترب من نقطة اتخاذ القرار”، في حين نبّه رئيس أركان جيش الاسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي على أن “الحرب في الشمال أصبحت أكثر احتمالاً”. أما عضو مجلس الوزراء الحربي الوزير بيني غانتس فأكد أن “ساعة التوقيت للحل الديبلوماسي بدأت تنفد”.

الديبلوماسية الأميركية وحدها، دون سواها من الدول قادرة على منع إنزلاق الأوضاع على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية إلى حرب واسعة، تسقط الخطوط الحمر المنصوص عنها في القرار 1701، نظراً الى حاجة إسرائيل إلى الدعم السياسي والعسكري في حال تفجرت الجبهة على نطاق واسع، في حين أن “حزب الله” وخلفه إيران، لا يفضلان الحوار مع الادارة الأميركية بشأن أي إتفاق (وإن يكن بصورة غير مباشرة) على ما حصل خلال إبرام إتفاقية الترسيم البحري. فاتفاقية الحدود البحرية الاسرائيلية – اللبنانية، التي تم التوصل إليها في تشرين الأول 2022 عبر محادثات ثنائية غير مباشرة ومن دون إعتراف متبادل، شكلت سابقة، وأثبتت أن الوساطة التي تقوم بها الولايات المتحدة يمكن أن تنجح، عندما تركز على قضية محددة مربحة للطرفين وتعالج الاحتياجات المتبادلة.

وبما أن الادارة الأميركية قد أبلغت رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو رفضها القاطع لتوسيع نطاق حرب غزة، من خلال فتح جبهات أخرى، فإنها أوكلت إلى كبير المستشارين آموس هوكشتاين مهمة العمل على عدم تفلت العمليات العسكرية بين لبنان وإسرائيل، تمهيداً للتوصل إلى إتفاق تسوية يشمل ترسيم الحدود البرية وتطبيق القرار 1701. من هنا، فإن هوكشتاين يقوم بجولات مكوكية على دول المنطقة، وتحديداً لبنان وإسرائيل، لمنع توسع المواجهات بينهما، لأن ذلك يشكل مصلحة حيوية للادارة الأميركية. وفي الوقت الذي ينتظر فيه عودة هوكشتاين قريباً إلى المنطقة، فإن السؤال المركزي الذي يفرض نفسه: هل هناك من إمكان للتوصل إلى حل ديبلوماسي بالفعل، وبالتالي إبعاد شبح الحرب؟

مساعي هوكشتاين لمنع التصعيد ستتركز على القضايا التي كانت محل خلاف بين إسرائيل ولبنان حتى قبل اندلاع الحرب الحالية في غزة، والتي تتعلق في معظمها بالقرار 1701. كذلك، فإن هوكشتاين سيحاول إطلاق محادثات حول الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، بناء على وساطته الناجحة في ما يتعلق بالحدود البحرية. وإذا كان من الممكن تجنب خطر حدوث المزيد من التصعيد بين إسرائيل و”حزب الله”، فإنه بعد تحقيق الاستقرار، قد يكون لدى الجانبين الدافع لاعادة الانخراط في هذه القضية والعمل على التوصل إلى ترتيب طويل الأجل قادر على تقليل خطر التصعيد المستقبلي.

وعلى الرغم من المصلحة المشتركة لاسرائيل و”حزب الله” (وفقاً لمصالح متعارضة)، بمنع حدوث تصعيد أكثر شمولاً، فإن تلك المصالح من شأنها أن تصعب وساطة هوكشتاين، خصوصاً مع إصرار إسرائيل على إبعاد مقاتلي الحزب عن حدودها. لكن وفي ظل المأزق المتعلق بإخفاقها في تحقيق أي من أهدافها المعلنة بشأن حربها المفتوحة على غزة، وبالتالي الخسائر الكبيرة التي تتكبدها من دون أي نتيجة، فإن ذلك من شأنه أن يدفعها الى دعم أي جهود قد تفضي الى ترتيبات أمنية ولو جزئية على حدودها، لأن ذلك يخدم مصالحها، بانتظار فتح نقاش لاحق حول جميع نقاط النزاع مع لبنان وضمناً “حزب الله”.

بناءً عليه، من المرجح أن تستمر إسرائيل في دعم ديبلوماسية هوكشتاين المكوكية في المنطقة، إنطلاقاً من نجاحه السابق المتعلق بالحدود البحرية، باعتبار أن تراكم الاتفاقات التدريجية، قد يفضي في نهاية المطاف إلى تسوية دائمة.

إذاً، الجميع يترقب عودة هوكشتاين إلى المنطقة، ويعوّل على نجاحه في “ترسيم” إتفاق تهدئة الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية، بانتظار تقشع غيوم حرب غزة، للدخول في مفاوضات بشأن الحدود البرية وتطبيق الـ 1701 بكل بنوده.

  • إقرأ الجزء الأول:

شباط شهر الحسم… (1) إما الحرب الواسعة أو تجنبها ديبلوماسياً

شارك المقال