الهدنة في الميزان (٢)… غزة إنتصرت على إبادتها وغيّرت معادلة الصراع

زياد سامي عيتاني

هدنة الأربعة أيام، على الرغم من طابعها الانساني، فانها من الناحية السياسية تعد اختراقاً مهماً للعدوان الاسرائيلي على غزة، عقب عملية “طوفان الأقصى”، بحيث تمكنت من أن تنتصر على إبادتها وأن تغيّر معادلة الصراع المفتوح مع العدو الاسرائيلي، وذلك ثمرة سياسية لأمرين أساسيين:

– أولهما ثبات المقاومة الفلسطينية وصمودها في مواجهة الجيش الاسرائيلي المدعوم أميركياً بصورة غير مسبوقة، والذي فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض خلال 6 أسابيع من الحرب.

– ثانيهما الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة بنيامين نتنياهو الذي اضطر معها الى القبول على مضض بصفقة التبادل والهدنة. ويعتبر المحللون أن هذه الهدنة إذا ما وضعت في ميزان الربح والخسارة، فإنها تحقق لكلا الطرفين مكاسب وخسائر بالمعيار الاستراتيجي للحروب، مع إقرارهم بأن ما حققته “حماس” من مكاسب يفوق ما حققته إسرائيل، لدرجة أن هناك شبه إجماع في ما بينهم على أن الإتفاقية تشكل إنتصاراً لـ “حماس”، من خلال الإنجازات التالية:

١) إنجاز الصفقة قدم نصراً لـ “حماس”، لا سيما وأن واحداً من أهم أهداف عملية “طوفان الأقصى” كما عبّر عنها قادة الحركة هو تحرير الأسرى الفلسطينيين وتبييض السجون. وتحقيق هذا الهدف، ولو على أجزاء، يعني إنتصاراً للمقاومة الفلسطينية، وبالتالي من الممكن أن يشجع فصائلها على تكرار العمليات التي تستهدف أسر جنود أو مدنيين، كلما أرادوا تحرير أسرى من سجون الاحتلال. وسبق أن عبّر العديد من الوزراء في الحكومة الاسرائيلية وداعميهم في وسائل الاعلام الاسرائيلية عن هذه الفكرة مراراً برفضهم لعملية تبادل الأسرى. وذهب المحللون من الجنرالات السابقين إلى أبعد من ذلك بقولهم: “ما المشكلة أن يموتوا وأن ينضموا إلى خسائر هذه الحرب؟ الأهم أن لا نمنح (المخربين) نصراً!”. كما أن من المناسب الاشارة إلى أن الرهائن المدنيين من نساء وأطفال هم عبء أمني وأخلاقي وإعلامي وسياسي على فصائل المقاومة التي تحتجزهم، ومن مصلحتها التخلص منهم وإعادتهم إلى أهاليهم، مع إبقاء الأسرى العسكريين في عهدتها لإنجاز الهدف الأساس وهو تبييض السجون، وهذا بالضبط ما لا يرغب فيه نتنياهو.

٢) تخشى إسرائيل من أن تكون الهدنة فرصة لالتقاط أنفاس المقاومين، بعدما عجز جيشها عن تحقيق أي نصر عسكري، لا سيما وأنه كان يسعى إلى تحقيق أهدافه باستهداف قيادات كبرى في “حماس” أو تفكيك منظومتها العسكرية والسياسية أو تحقيق إنجاز مهم، من دون التمكن من تحقيق أي من أهدافهم الاستراتيجية، خصوصاً وأن “حماس” حافظت على قدراتها العسكرية وحرية تحركها اللوجيستي طيلة أيام العدوان المفتوح على غزة، فهي استمرت في قصف المدن والمستوطنات بالصواريخ، وفي إيقاع الخسائر المادية والبشرية الهائلة في صفوف جيش الاحتلال، الذي توغل بصورة محدودة في القطاع، حيث ووجه بمقاومة شرسة وبمقاتلين كالأشباح.

٣) الهدنة صفقة ستسمح بوصول المساعدات الانسانية والاغاثية كافة إلى كل مناطق قطاع غزة بما فيها شماله، والذي كانت إسرائيل ترفض وصول أي مساعدات اليه، وسيخفف كثيراً من معاناة مئات الآلاف من الفلسطينيين ممن ظلوا في الشمال ورفضوا النزوح الى الجنوب. فالاتفاق يتضمن تدفق السولار والغاز إلى مناطق قطاع غزة كافة، ويعد هذا تقدماً ملموساً، خصوصاً وأن إسرائيل كانت ترفض خلال الأيام الماضية وصول شاحنات الوقود الى شمال القطاع، واللازم لتشغيل المخابز ومحطات الكهرباء ومحطات تحلية المياه والمستشفيات وكل القطاعات المدنية، بجانب تغطية كل احتياجات المنظمات الأممية كـ “الأونروا”.

٤) فقد نتنياهو وحكومته ورقة الأسرى أو الرهائن أن تستمر عامل ضغط أمام عواصم القرار، وأن تواصل دورها في وسائل الاعلام العالمي، وأن يستمر حشد الدعم العالمي السياسي والاعلامي والشعبي من خلال هذه الورقة. كما كان يريد لهذه الورقة أن تستمر في شحن الداخل الاسرائيلي بالغضب والحقد على الفلسطينيين كلهم، ليستمر دعم المجتمع الاسرائيلي لحرب الابادة والتهجير التي يقودها ضد غزة ومن بعدها سيأتي دور باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.

على الرغم من الثمن الباهظ في الأرواح والحجم الهائل للدمار الذي أباد أجزاء واسعة من قطاع غزة، فإن حسابات الربح والخسارة سياسياً وعسكرياً تؤكد مما لا شك فيه، أن المقاومة الفلسطينية إنتصرت حتى الآن، اذ كيف تقاتل مقاومة محاصرة جيشاً مدججاً بالسلاح والطائرات والدبابات والقذائف الفتاكة، والمدعوم من الغرب والولايات المتحدة بجسور جوية وصواريخ وحاملات طائرات، وبدعم إستخباراتي وجنرالات أميركية موجودين في غرفة عمليات مجلس الحرب الإسرائيلي؟

في الختام، يجب التنبه الى أن الهدنة سلاح ذو حدين، فـ”الحركة الصهيونية” استفادت من الهدنة سنة 1948 بصورة كبيرة للحصول على إمدادات من كل مكان، وإسرائيل حالياً هي التي لديها الآن حدود مفتوحة مع العالم، ولديها قدرة على ترتيب صفوفها أكثر بكثير من المقاومة المحاصرة أصلاً.

اقرا ايضاً:

  1. الهدنة في الميزان (١)… إقرار بفشل الحرب على غزة
  2. الهدنة في الميزان (٢)… غزة إنتصرت على إبادتها وغيّرت معادلة الصراع
  3. الهدنة في الميزان (٣)… مكسب إسرائيل ينحصر بالتقاط الأنفاس
شارك المقال