الهدنة في الميزان (٣)… مكسب إسرائيل ينحصر بالتقاط الأنفاس

زياد سامي عيتاني

أثارت صفقة تبادل الأسرى مع “حماس”، التي وافقت عليها إسرائيل بشروط الحركة، موجة غضب شديدة تجاه حكومة بنيامين نتنياهو داخل المجتمع الاسرائيلي. وقد هاجم نواب في الكنيست الاسرائيلي ووزراء في حكومة نتنياهو إتفاق الهدنة بين إسرائيل و”حماس”، في مؤشر قوي على وجود خلافات داخلية في تل أبيب. وما زاد من شراسة الهجمة السياسية والاعلامية على نتنياهو رضوخه لإتفاق وقف إطلاق النار، قبل أن يحقق أي مكاسب، على خلاف “حماس”، سوى أنه يتمكن وجيشه من إلتقاط أنفاسهما، لا سيما وأن الأولوية الاستراتيجية للاحتلال كانت تقوم على إدامة وتركيز الضغط على سكان القطاع وعلى حركة “حماس”، وتحقيق مكسب إستراتيجي يعوّض الاختلال البالغ في الصورة والمكانة الناتج عن عملية “طوفان الأقصى”.

إلا أن قبول الهدنة، عائد إلى دوافع عدة، منها:

  • العجز عن تحقيق حسم ميداني في شمال القطاع، على الرغم من مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على بدء الحرب.
  • مأزق البقاء العسكري في غزة، حيث توجد القوات العسكرية في مناطق سكنية، وهو ما فرض على جيش الاحتلال إعادة تموضع قواته خوفاً من مهاجمتها من الفصائل أو السكان، زيادة على استبدال بعضها بأخرى، وهو ما يعني تكاليف وخيارات عسكرية لم تكن في الحسبان.
  • تزايد الضغط الدولي المطالب بهدنة إنسانية، الذي بلغ ذروته بدعوة مجلس الأمن إلى هدن وممرات إنسانية، وتبلور موقف أميركي دافع في هذا الاتجاه.
  • تزايد الضغط الداخلي المطالب بتحرير الأسرى لدى المقاومة، والذي توّجته مسيرة كبرى لأهاليهم من تل أبيب إلى القدس. وهذا مسار حرصت المقاومة على تفعيله من خلال تصريحاتها بشأن مقتل العشرات منهم بفعل القصف الاسرائيلي على القطاع.

بناءً على ذلك، فإن الهدنة تنحصر أهدافها بالنسبة الى الاحتلال بصورة محدودة عسكرياً، فهو يريد أولاً استغلالها في جمع معلومات تتعلق بالمقاومة والأنفاق، وثانياً يريد أن يحرك قواته بطريقة تكون قادرة على استئناف القتال، لأن الوضعية الحالية بالنسبة اليها غير ملائمة ولا تؤهلها للاستمرار في التموضع بطريقة قتالية وفاعلة.

إلا أن الهدنة لم تحمل لاسرائيل أي مكاسب سياسية ولا حتى شعبية، إذ على الصعيد الداخلي الاسرائيلي، فإن الافراج عن جزء من الأسرى سيلبي مطالب شعبية بهذا الخصوص، إلا أنه سيعزّز أيضاً مساعي بقية الأسرى للإفراج عن ذويهم قبل استئناف العدوان على القطاع، ومن شأن ذلك إثارة احتجاج أهالي الأسرى العسكريين بشأن التمييز بين العسكريين والمدنيين في صفقات التبادل، ما يقلل من تماسك الجبهة الاسرائيلية الداخلية في إسناد الحرب.

الخلاصة، نتنياهو غامر سياسياً وقفز الى الأمام كالعادة عندما شن حرباً من دون رؤية أو أفق سياسي، ما عرضه للإنكسار، ودفعه الى التراجع تحت ضغط أنه أولاً لم يحقق إنجازات عسكرية كافية في قطاع غزة، وثانياً تحت ضغط دولي وتحت ضغط الرأي العام الاسرائيلي الداخلي. لكن هذا لا يعوّل عليه كثيراً لأن هناك حالة جنون لديه، خصوصاً وأن عملية “طوفان الأقصى” وما تبعها من إبادة جماعية لغزة من دون أي جدوى، ستخرجانه من المشهد السياسي.

اقرا ايضاً:

  1. الهدنة في الميزان (١)… إقرار بفشل الحرب على غزة
  2. الهدنة في الميزان (٢)… غزة إنتصرت على إبادتها وغيّرت معادلة الصراع
  3. الهدنة في الميزان (٣)… مكسب إسرائيل ينحصر بالتقاط الأنفاس
شارك المقال