الهدنة في الميزان (١)… إقرار بفشل الحرب على غزة

زياد سامي عيتاني

شكل توقيع هدنة مؤقتة بين “حماس” والعدو الصهيوني نقطة مفصلية في الحرب المفتوحة بين الحركة وجيش الاحتلال الاسرائيلي منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الماضي، لا سيما وأن “حماس” أجبرت إسرائيل على القبول بشروطها والتفاوض، في وقت كانت تصر على رفض الهدنة منذ أسابيع. فالاتفاق إعتبر إنتصاراً ومكسباً سياسياً للمقاومة الفلسطينية، إذ حقق أحد أهداف العملية العسكرية التي قامت بها، وهو الافراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، وإن كان الثمن الانساني الذي دفع لذلك باهظاً وغير مسبوق في جولات الصراع السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين.

صحيح أن العنوان العريض لهذا الاتفاق أنه اتفاق تبادل الأسرى، ولكن هناك جزء أساس مهم جداً ذو أبعاد سياسية متعلقة بموضوع الهدنة لمدة 4 أيام، وأهم معنى لهذا الحدث أنه يمثل انكساراً للخطاب الاسرائيلي الذي كان يتحدث عن معركة بلا توقف، ويتبنى خطاب إبادة بامتياز، مقتبساً نصوصاً من التوراة تدعو إلى إبادة “العماليق”، وكان يروّج بأن وقف إطلاق النار سيؤدي إلى فرصة ذهبية لـ”حماس” لاعادة ترتيب صفوفها. والهدنة من الجانب العسكري تمثل أول اعتراف إسرائيلي غير مباشر بفشل العملية العسكرية البرية التي كانت تهدف إلى محاولة تخليص الرهائن بالقوة العسكرية، وهي أيضاً فشل ذريع لحكومة الحرب التي كانت ترفع شعار “لا لوقف الحرب، ولا لصفقة الرهائن”، والآن أوقفت الحرب ولو مؤقتاً، وأبرمت صفقة الرهائن.

لقد كسبت المقاومة في غزة تعاطفاً دولياً شبه شامل، لا سيما مع ضراوة الضربات للمقرات الأممية والمستشفيات ومقتل آلاف الأطفال والنساء. في المقابل، خسرت إسرائيل مكانتها لدى الظهير الشعبي الأوروبي، المتضامن معها منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي. هناك ضجر غربي من فاتورة الدعم المرهق لاسرائيل، في ظل أزمة اقتصادية فاقمتها حرب أوكرانيا وأزمتا الطاقة والانتاج في أوروبا. ويجب أن لا نسقط من حساباتنا الضغوط السياسية التي مارسها الرأي العام العالمي على الاحتلال الاسرائيلي من أجل وقف العدوان، وتمثل هذا الضغط في تبلور موقف الدول الصناعية السبع، مع أنها تنتمي إلى المعسكر الغربي “نظرياً”، ولكن الرأي العام فيها استطاع أن يشكل ضغطاً حقيقياً على صنّاع القرار وحرّك موقفهم السياسي نحو البعد الانساني في قطاع غزة. كذلك، ظفرت الفصائل الفلسطينية، في مقدمها “حماس”، بدعم سياسي كبير من أطراف دولية قوية، بينها روسيا والصين.

المقاومة في غزة ستستفيد بصورة كبيرة من تأمين مصادر للوقود والأدوية والأغذية، وتأمين نقل الجرحى من المعارك وأماكن القصف، والاستعداد لأرض جديدة للمعارك، لأنها تدرك أن الهدنة مؤقتة والجيش الاسرائيلي يريد أن يتدارك خسائره ويعدّل خططه، بعدما أخفق في تحقيق أي هدف إستراتيجي. فالحقيقة المؤكدة أن إسرائيل لم تنجح في تحقيق هدفها من الحرب كما كانت تقول سواء بتدمير المقاومة نهائياً، وتحرير الرهائن والأسرى بالقوة، وأن لا حديث عن وقف إطلاق النار إلا بعد تحرير الرهائن والأسرى، لكن هذه الهدنة قضت على هدف الاحتلال وأجبرته على التفاوض والرضوخ للهدنة، حتى ولو كانت هدنة 4 أيام فقط. هذا يعني أن بنيامين نتنياهو أرغم على أن ينزل من على الشجرة بعد أن فشل في السيطرة على غزة، وبعد خسائره الفادحة في قوات النخبة والاحتياط والمعدات العسكرية، وأن كل ما فعله هو مهاجمة المدنيين والأطفال وقصف المستشفيات وارتكاب المجازز التي تعد جرائم حرب، لا بد من أن يحاكم عليها.

اقرا ايضاً:

  1. الهدنة في الميزان (١)… إقرار بفشل الحرب على غزة
  2. الهدنة في الميزان (٢)… غزة إنتصرت على إبادتها وغيّرت معادلة الصراع
  3. الهدنة في الميزان (٣)… مكسب إسرائيل ينحصر بالتقاط الأنفاس
شارك المقال