ما بعد اغتيال العاروري (١)… غموض موقف نصر الله يربك الداخل الاسرائيلي

زياد سامي عيتاني

منذ أن أعلن “حزب الله” دخول الحرب دعماً ونصرة لغزة في 8 تشرين الأول (أكتوبر) حرص على التأكيد أن الجبهة اللبنانية هي جبهة مساندة وليست جبهة مواجهة. فالعمليات العسكرية من الجانبين بقيت في النطاق الجغرافي الميداني لقواعد الاشتباك، خصوصاً من جانب الحزب الذي يركز عملياته التي بلغت 670 عملية، بصورة دقيقة ومركزة لتستهدف المركبات والدبابات والتجمعات العسكرية، والتجهيزات الفنية والاستخبارية، فضلاً عن المستعمرات، كلما إعتدت اسرائيل على المدنيين. إلا أن عملية إغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري في العمق الاستراتيجي لـ “حزب الله” في الضاحية الجنوبية، دفع المحللين والمتابعين الى القول إن هذا الحدث الخطير، قد يقلب الطاولة ويعيد خلط الأوراق الميدانية، بما يجعل من جنوب لبنان جبهة مفتوحة مع العدو الاسرائيلي، الذي تجاوز بإغتياله للعاروري كل الخطوط الحمر.

وعليه، إتجهت الأنظار نحو الخطاب المقرر للأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، باعتباره سيكشف أحد مسارات الحرب وجبهاتها الموازية. وفي إطلالته التي إتسمت “شكلاً” بالهدوء، تعمّد نصر الله إلتزام “الغموض” بشأن الاحتمالات المرتقبة، مع إطلاق العديد من الرسائل في إتجاهات متعددة. وقد رسم حدود دور حزبه في الحرب، انطلاقاً من محددين رئيسين هما: تطورات الحرب في قطاع غزة، وسلوك قوات الاحتلال تجاه لبنان، معدداً أبرز الأهداف التي حققتها المقاومة على الجبهة اللبنانية، بإشغال جيش الاحتلال واستنزافه، بحيث قال: “إن ثلث جيش الاحتلال في الجبهة الشمالية، وتم إشغال نصف القدرات البحرية وربع القوات الجوية ونحو نصف الأنظمة المضادة بالقبة الحديدية وإخلاء نحو 43 مستوطنة قريبة من لبنان”. ولوّح بأن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وفي موازاة المعارك العسكرية بين “حزب الله” وقوات الاحتلال، ستبقى مفتوحة لعمليات التسلل نحو العمق الاسرائيلي، مع التأكيد أن ما يجري في الجبهة اللبنانية لن يتم الاكتفاء به، والتلميح بأن تصعيد إسرائيل مع “حزب الله” سيؤدي الى حرب إقليمية.

من خلال قراءة متأنية لخطاب السيد، يتضح حرصه على عدم الانسياق وراء مآرب إسرائيل وبنيامين نتنياهو لجره نحو حرب مفتوحة، لا سيما وأنه لم يعلن عن وجود أي تغيير في قواعد الاشتباك بعد إغتيال العاروري، على الرغم من تأكيده أن الرد حتمي.

إذاً، من الواضح أن مصير الجبهة اللبنانية مرتبط بمصير الحرب على غزة، وأن السباق حالياً بين إحتمال الهدنات المؤقتة واستمرار الحرب وتوسعها الى جبهات أخرى. فالجبهة اللبنانية تواصل لعب دورها كجبهة مساعدة ومساندة لغزة، وتعود للنقاشات الدائرة في إسرائيل وواشنطن وعواصم القرار حول سيناريوهات الحرب، خصوصاً وأن نصر الله نقل القرار من تل أبيب إلى واشنطن، لفتح باب التفاوض وإعادة الحسابات. إن الأهداف تسجل بالنقاط في الوقت الحالي وليس بالضربة القاضية، التي تبقى رهن أداء المقاومة وصمودها في غزة، والحراك السياسي في المنطقة.

وفي إنتظار التطورات التي ستحملها الفترة المقبلة، فإن “حزب الله” بدأ بتنفيذ سلسلة عمليات “دقيقة” في العمق الاسرائيلي، كرد متدرج على إغتيال العاروري، من دون الانجرار إلى إستراتيجيات الرد التي يخطط لها الاسرائيليون أو التي ترغب إسرائيل في تنفيذها. وهذا السلوك للحزب، يجعل إسرائيل في حالة حذر وقلق شديدين من كيفية رد “حزب الله” بالحجم المناسب على الاغتيال، بحيث أن التحليلات والتقديرات داخل الكيان الصهيوني تجمع على أن الحزب لم يقل كلمته الأخيرة بعد.

إقرأ ايضاً:

  1. ما بعد اغتيال العاروري (١)… غموض موقف نصر الله يربك الداخل الاسرائيلي
  2. ما بعد اغتيال العاروري (٢)… انسحاب حاملة الطائرات “فورد” لمنع توسع الحرب
  3. ما بعد إغتيال العاروري (٣)… خشية أميركية من بدء نتنياهو حرباً على لبنان لانقاذ نفسه سياسياً
  4. ما بعد إغتيال العاروري (٤)… الانتقال إلى التصفيات لتجاوز المأزق العسكري
شارك المقال