ما بعد اغتيال العاروري (٢)… انسحاب حاملة الطائرات “فورد” لمنع توسع الحرب

زياد سامي عيتاني

دخلت إسرائيل في حالة تأهب قصوى على جميع الجبهات في أعقاب إغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري، خصوصاً بعد تصاعد عمليات “حزب الله” أخيراً داخل العمق الاسرائيلي، بما يشبه الرد المتدرج تصاعدياً في حجمه وإستهدافه. واستعد الجيش الاسرائيلي منذ تنفيذ عملية الاغتيال لسيناريو حرب واسعة على جبهتي لبنان وقطاع غزة، حيث توقعت الجبهة الداخلية في إسرائيل رد “حزب الله” بصواريخ طويلة المدى في العمق الاسرائيلي، وكذلك تسلل مقاتلين من لبنان إلى البلدات الحدودية والجليل الأعلى.

وأبقي “كابينت الحرب” في حالة انعقاد دائمة في مقر وزارة الأمن الاسرائيلية في تل أبيب، بمشاركة قادة رئاسة أركان الجيش، والأجهزة الأمنية والعسكرية وقادة الأجهزة الاستخباراتية “الشاباك” و”الموساد”، لمناقشة التطورات المتوقعة في ساحات القتال في الجنوب والجليل الأعلى بعد عملية الاغتيال. وأفادت القناة 11 الاسرائيلية أنه سمعت في أعلى القيادة السياسية والعسكرية تصريحات مفادها أن الشخص الذي أمر باغتيال العاروري أخذ في الاعتبار أنه سيكون هناك رد فعل، وكان مستعداً لكل الاحتمالات، منها رد فعل ذكي ومحدود أو حرب شاملة.

ويرى مراقبون أن اغتيال العاروري أدخل المواجهة بين الحزب وإسرائيل منعطفاً جديداً وخطيراً، بعدما تجاوزت الأخيرة الخطوط الحمر لقواعد الاشتباك بين الطرفين، بحيث يرتفع إيقاع المواجهة بصورة تصعيدية. ويتأهب الجيش الاسرائيلي لإمكان رد قوي من “حزب الله”، بحيث لا يستبعد المستوى السياسي أن يُقصف العمق الاسرائيلي بصواريخ طويلة المدى. ونقل الموقع الالكتروني “والا”، عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله: “إسرائيل تستعد لرد حاد من حزب الله على اغتيال العاروري”.

وأجمع محللون ومسؤولون عسكريون إسرائيليون على أن خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، يحمل في طياته رسائل تهديد مبطنة إلى إسرائيل، من دون إعطاء الضوء الأخضر لشن حرب شاملة. ويرى هؤلاء أن نصر الله اعتمد نهج “المراوغة والتضليل” في سير الحرب وتطوراتها، بينما بدا أكثر غموضاً في سيناريو حرب متعددة الجبهات، بحيث أبقى على كل الخيارات مفتوحة. ونبّه اللواء احتياط في جيش الاحتلال الاسرائيلي يسرائيل زيف على أن خطاب نصر الله حمل رسالة مفادها أن “حزب الله” سيبقي على التصعيد والتوتر باستخدام “فتيل هادئ” يتحكم به، والأهم سيستمر في استنزاف إسرائيل مع الابقاء على عنصر المفاجأة، الأمر الذي يخلق حالة من الارباك في الجانب الاسرائيلي. ويعتقد زيف أن نصر الله الذي أبقى على كل الاحتمالات مفتوحة، يجب أن تقلق منه إسرائيل جداً، مؤكداً أنه لا يمكن الاطمئنان وإعادة “المدنيين الاسرائيليين” إلى المناطق الحدودية، إلا بعد إبعاد عناصر “حزب الله” من الجنوب اللبناني، وإلغاء التهديدات بإحتمال توغل بري لمقاتلي الحزب في الجليل الأعلى.

هل هذه الأجواء التصعيدية يمكن أن تشكل مقدمة لحرب شاملة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية؟ بالتأكيد أن جريمة الاغتيال لن تمر من دون رد كبير، لأنها وضعت تحذيرات نصر الله على المحك، وبالتالي أي رد محدود يعني تجرؤ إسرائيل مجدداً على عمليات مماثلة في الداخل اللبناني، من دون أن نسقط من الحسبان الخرق الأمني والمخابراتي للعدو الاسرائيلي، اذ ان العملية نفذت في الضاحية الجنوبية، التي تعد المعقل الأساس لـ “حزب الله”، وفيها حضور بارز للحزب، إضافة إلى مقره الرسمي ومكاتب نوابه وقادته ومنازلهم، وفيها أيضاً ينظم مختلف فعالياته، ما يعني أن هدف العملية الاسرائيلية مزدوج، إغتيال كبار القادة الفلسطينيين لـ “حماس” من جهة، وضرب معقل “حزب الله” وحاضنته السياسية والشعبية والأمنية وتهديدهما وخرقهما من جهة أخرى. لكن مصادر الحزب تؤكد قدرته على أن يستوعب العملية ضمن سياسة عدم السماح لاسرائيل بأخذه إلى حيث تريد، من خلال توجيه ضربة قاسية اليها توازي إغتيالها للعاروري في الضاحية الجنوبية.

في المقابل، فإن إسرائيل (المؤسسة العسكرية) غير قادرة عسكرياً على تحمل تبعات فتح جبهة جديدة مع لبنان، بلا إسناد أميركي عسكري مباشر، في وقت أعلنت فيه القوات البحرية الأميركية أن حاملة الطائرات “فورد” ستعود إلى قاعدتها في الولايات المتحدة، بعد أشهر من التمركز في البحر المتوسط لحماية إسرائيل عقب عملية “طوفان الأقصى”. يرى المراقبون أن إنسحاب الأسطول الأميركي دليل على سعي واشنطن الى إحتواء التوتر في المنطقة، وانعكاس لخلافها المستجد مع إسرائيل في إدارة الحرب، ما يجعل الأخيرة في موقف حرج عسكرياً إذا ما قرر نتنياهو القيام بمغامرة “إنتحارية”، خصوصاً وأن الديبلوماسية الأميركية تنشط لتطبيق القرار 1701 بكل مضامينه، والذي من الممكن أن يكون أحد المواضيع التي سيطرحها وزير خارجيتها خلال زيارته الى المنطقة.

إقرأ ايضاً:

  1. ما بعد اغتيال العاروري (١)… غموض موقف نصر الله يربك الداخل الاسرائيلي
  2. ما بعد اغتيال العاروري (٢)… انسحاب حاملة الطائرات “فورد” لمنع توسع الحرب
  3. ما بعد إغتيال العاروري (٣)… خشية أميركية من بدء نتنياهو حرباً على لبنان لانقاذ نفسه سياسياً
  4. ما بعد إغتيال العاروري (٤)… الانتقال إلى التصفيات لتجاوز المأزق العسكري
شارك المقال